الاحتلال يحول غزة إلى مقبرة للصحفيين.. إحصائيات غير مسبوقة دوليا

تسجل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة إحصائيات غير مسبوقة دوليا على صعيد قتل واستهداف الصحفيين في ظل نهجه القائم على منع أي تغطية إعلامية لما يرتكبه من مجازر من وجرائم مروعة بحق المدنيين.
وأعلن صباح اليوم الأربعاء عن استشهاد المصورة الصحفية فاطمة حسونة، التي قضت مع عدد من أفراد أسرتها في غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزل عائلتها في شارع النفق بمدينة غزة.
ورفع ذلك إجمالي عدد الشهداء من الصحفيين والصحفيات في قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية إلى 212 فضلا عن إصابة واعتقال عشرات آخرين.
وبحسب دراسة جديدة نشرتها جامعة براون في الأول من أبريل/نيسان، فإن عدد الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي يفوق إجمالي عدد الصحفيين الذين قتلوا في الحرب الأهلية الأميركية؛ والحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الكورية، وأربعة صراعات أخرى ــ بما في ذلك يوغوسلافيا السابقة، وكمبوديا، وحروب ما بعد 11 سبتمبر/أيلول.
وقد كان الصحفيون في غزة يؤدون عملهم بكل بساطة: ينقلون للعالم ما لا يستطيع الصحفيون الدوليون، الذين تمنعهم السلطات الإسرائيلية من دخول قطاع غزة، قوله بسبب القيود الإسرائيلية.
إنهم يشهدون جرائم حرب يمكن استخدامها لاحقًا كأدلة في لاهاي، ومن دونهم، كان يمكن التغافل عن جرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين.
وتؤكد أوساط حقوقية دولية على أنه يجب حماية الصحفيين بموجب اتفاقيات جنيف طالما لم يشاركوا في الأعمال العدائية. لكن دولة الاحتلال لم تلتزم بأي قانون دولي.
في وقت سابق من هذا الشهر، تحدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مذكرة اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بسفره إلى المجر. ولعل الصحفيين هم أكبر تهديد يواجهونه.
وتقول جودي جينسبيرج، الرئيسة التنفيذية للجنة حماية الصحفيين : ” لقد كانت الحرب الإسرائيلية الصراع الأكثر دموية الذي وثقته اللجنة على الإطلاق، وهو أمر غير مسبوق من حيث الدمار الذي أحدثته في سلك الصحافة المحلية، ولكن أيضًا من حيث الحظر الكامل على وصول وسائل الإعلام المستقلة من الخارج”.
كان من بين الشهداء الصحفيين حسام شبات، البالغ من العمر 23 عامًا، والذي عمل في قناة الجزيرة مباشر. كتب رسالة مؤثرة قبل جريمة قتله أواخر مارس/آذار شمال غزة: “إذا كنت تقرأ هذا، فهذا يعني أنني قُتلت – على الأرجح مستهدفًا – على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي”.
وتابع “وثّقتُ أهوال شمال غزة لحظة بلحظة، مصممًا على أن أُظهر للعالم الحقيقة التي حاولوا طمسها. نمتُ على الأرصفة، وفي المدارس، وفي الخيام – أينما استطعتُ. كان كل يوم بمثابة معركة من أجل البقاء. تحملتُ الجوع لشهور، ومع ذلك لم أفارق شعبي قط”.
بدأ شبات العمل الصحفي قبل إتمام دراسته الجامعية مع تصاعد الحرب، رافضًا الانتقال جنوبًا مع عائلته أثناء إجلاء المدنيين. انفصل عنهم لأكثر من 400 يوما.
عقب استشهاده حاول جيش الاحتلال التحريض ضد شبات وتبرير قتله بزعم أنه كان ناشطًا في فصائل المقاومة. ويبدو هذا هو أسهل ما يفعله الاحتلال: كل من ينتقد السياسة الإسرائيلية يُصنّف بأنه مؤيد للمقاومة بمن فيهم الصحفيون والأكاديميون الأجانب.
تقول الصحفية الدولية الشهيرة جانين دي جيوفاني “بصفتي مراسل حرب سابق فقدتُ العديد من زملائه في ساحات المعارك، أُدرك تمامًا مخاطر تغطية الحروب. لكن حالة الصحفيين الذين يُقتلون في غزة تختلف تمامًا عن حالة زملائي الذين لقوا حتفهم في البوسنة أو سيراليون أو سوريا”.
وتضيف “في تلك الدول الصحفيون وقعوا ضحية تبادل إطلاق النار، أو قذائف الهاون، أو رصاصة قناص غير موفقة لكن في غزة يموت الصحفيون لأن القوات الإسرائيلية، لا تريد لهم أن يعيشوا ليرويوا قصتهم”.
إن آلة الدعاية الإسرائيلية، المعروفة باسم ” هاسبارا ” أو “التفسير”، تُقدّم للرأي العام الدولي صورةً مختلفةً تمامًا عن الحقيقة.
لطالما اعتقدت القيادة الإسرائيلية بضرورة “تشويه الحقيقة بعنف للتلاعب بالخصوم والحلفاء”، وفقًا لتقرير نُشر في موقع “ذا إنترسبت”. وبقيادة حزب الليكود والموالين لنتنياهو، فإنهم يُعيدون كتابة التاريخ.
لكن كل هذا لا يُخفف عن عائلات الصحفيين الفلسطينيين الحزينة، ولا يُساعد في ملء الفراغ الإعلامي الذي خلّفه موتهم.
ومع ذلك، فإن استشهادهم يزيد من عزيمة الصحفيين الغزّاويين الآخرين وثباتهم. فهم يواصلون مسيرتهم، مدركين أن عملهم بالغ الأهمية.
في أكتوبر الماضي، انعقدت لجنة تحكيم جائزة بايو لمراسلي الحرب في فرنسا، وهي إحدى أعرق الجوائز الصحفية. وقد اكتسح الصحفيون الغزّاويون، في جميع المجالات الإعلامية – الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة، والصحافة المطبوعة والإذاعية – جميع الجوائز تقريبًا، محققين بذلك إنجازًا ليس بالهين في سوق تنافسية للغاية.
إنهم يتألقون في غزة يعملون في أخطر مكان على وجه الأرض، حيث يُكافح الصحفيون لوصف نزوح 90% من سكانها وتدمير 80% من مبانيها.
ويتعرض هؤلاء الصحفيون للتجويع والقصف والحرمان من الرعاية الطبية ويعانون من تهديدات عديدة مثل الهجمات الإلكترونية والرقابة وقتل أفراد عائلاتهم حتى أثناء محاولتهم العمل.
عقبت دي جيوفاني “أتمنى أن يخصص الجميع لحظةً للبحث عن أسماء كلٍّ الصحفيين الفلسطينيين الضحايا، والنظر إلى صورهم، وتذكر حياتهم القصيرة تكريمًا لهم، فضلًا عن إسهامهم الشجاع في الحفاظ على مصداقية الرواية في واحدة من أفظع الحروب ضد المدنيين في التاريخ الحديث”.