تحليلات واراء

دراسة: إرهاب المستوطنين يُحوّل الضفة الغربية إلى برميل بارود

حذرت دراسة صادرة عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، من أن إرهاب المستوطنين الإسرائيليين يُحوّل الضفة الغربية إلى برميل بارود وتنذر بعواقب قد تكون وخيمة.

وبحسب الدراسة شهدت الأشهر الأولى من عام 2025 ارتفاعًا كبيرًا في عنف اليمين المتطرف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية – بزيادة تقدر بنسبة 30 في المائة عن نفس الفترة من العام الماضي وفقًا لتحليل الحوادث الأخيرة.

وقد تحدث هذه الزيادة في وقت انخفضت فيه أعمال المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية بشكل كبير، إلى متوسط ​​ستة هجمات رئيسية شهريًا بين يناير ومارس، مقابل أربعة وعشرين هجومًا شهريًا خلال نفس الفترة في عام 2024.

وأبرزت الدراسة أن الزيادة في إرهاب المستوطنين يعطي مصداقية للتقييم بأن هجمات المستوطنين ليست مجرد رد على العمليات الفلسطينية بل جهد طويل الأمد لخلق “حقائق على الأرض”.

إرهاب اليمين المتطرف

وُثِّقت أعمال إرهاب اليمين المتطرف في الضفة الغربية منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، عندما اكتُشِف قيام “حركة سرية يهودية” بتنفيذ هجمات إرهابية ضد الفلسطينيين. ومنذ أوائل القرن الحادي والعشرين، خضعت هذه الحوادث للرصد والتحقيق المستمرين من قِبَل منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والدولية.

وغالبًا ما تُصوّر الجماعات اليمينية الإسرائيلية مثل هذه الأعمال على أنها ردود فعل انتقامية؛ وترفض استخدام مصطلحات مثل “الإرهاب اليهودي” و”عنف المستوطنين”، مفضلةً وصف “الجريمة القومية” أو، مؤخرًا، “انتهاكات القانون”.

يتماشى هذا الموقف مع سياسات الحكومة التي تعارض الإجراءات الرادعة القوية (مثل الاعتقال الإداري أو أوامر التقييد)، وتدعم الدعوات إلى تفكيك الشعبة اليهودية في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، التي تقود جهود الاستخبارات والوقاية في هذا المجال.

ويُبرر من يعتبرون إرهاب المستوطنين المتطرف إجراميًا لا أمنيًا هذا التوصيف جزئيًا بالإشارة إلى خصائص الجناة. فهم في الغالب شباب (غالبًا قاصرون) ومستوطنون من الجيل الثاني أو الثالث في الضفة الغربية. انقطع الكثير منهم عن التعليم الرسمي أو يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بأنظمة تعليمية بديلة أو تأهيلية.

وهؤلاء يميلون إلى العيش في جماعات تشجع على النشاط، والانسحاب من الأطر الاجتماعية التقليدية، و”العودة إلى الطبيعة”. ولذلك، غالبًا ما يرفضون سلطة الشخصيات السياسية (بما في ذلك قادة المستوطنين الرسميين).

منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، يعيش هؤلاء الأفراد – المعروفون عمومًا باسم “شباب التلال” – في مزارع وبؤر استيطانية (أي مستوطنات أُنشئت دون تصريح حكومي رسمي) في أنحاء الضفة الغربية.

تقع معظم هذه المواقع في المنطقة “ج”، وهي جزء من الضفة الغربية يخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ولم يُحدد وضعه المستقبلي بعد. ومع ذلك، فهم يتزايدون أيضًا في المنطقة “ب”، وهي المنطقة الخاضعة للسلطة المدنية الفلسطينية.

تعزيز الوجود اليهودي

في الواقع، يتمثل هدفهم الرئيسي في تعزيز الوجود اليهودي في هذه المناطق مع الحد من الوجود الفلسطيني، وبالتالي خلق حقائق على الأرض تُشكل (أو تُحبط تمامًا) أي اتفاق للوضع النهائي في الضفة الغربية.

يُفسر هذا الهدف الموقف المتساهل – بل الداعم أحيانًا – الذي تبنته الحكومات المتعاقبة تجاه شباب التلال على مدى الجيل الماضي، حيث يرى بعض المسؤولين أن دور الحركة في منع “التعدي الفلسطيني” على المنطقة “ج” أساسي لسياسة الضم الإسرائيلي الفعلي.

في ظل الحكومة الحالية، ازداد الدعم العلني لشباب التلال. في وقت سابق من هذا الشهر، أقام وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزيرة الاستيطان والبعثات الوطنية أوريت ستروك حفلًا حظي بتغطية إعلامية واسعة ، سلّما خلاله “مكونات أمنية” للمزارع و”المستوطنات الناشئة” في منطقة جنوب تلال الخليل.

وشملت هذه المعدات مركبات دفع رباعي، وكاميرات، ومعدات رؤية ليلية، مع تخصيص ميزانية خاصة قدرها 75 مليون شيكل (حوالي 20 مليون دولار) لهذا الغرض.

تاريخ إرهاب شباب التلال

يعود تاريخ إرهاب شباب التلال إلى إنشاء البؤر الاستيطانية الأولى في التسعينيات. وعلى مر السنين، ساهمت هذه الهجمات، إلى جانب التحولات في السياسة الإسرائيلية، في تهجير المجتمعات الفلسطينية من المنطقة (ج)، وخاصة في جنوب جبل الخليل وغور الأردن.

ويبدو أن حرب الإبادة الإسرائيلية الحالية في غزة قد شجعت هذه الجماعات أكثر. فقد أصبحت أكثر عدوانية، وعازمة على طرد المزيد من الفلسطينيين من منازلهم ومزارعهم ومناطق الرعي وأعمالهم التجارية مع إجبارهم على الانتقال إلى مناطق فلسطينية مكتظة بالسكان، بما في ذلك بعض المناطق خارج المنطقة (ب).

وقد وقعت معظم الحوادث العنيفة الموثقة في وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية بالقرب من البؤر الاستيطانية، على الرغم من أن بعضها يقع بالقرب من مستوطنات قائمة ومعتمدة رسميًا أيضًا. ويميل الجناة إلى استخدام أسلحة غير حادة مثل الهراوات والحجارة، وأحيانًا الأسلحة النارية القانونية.

كما نفّذت حركة “شباب التلال” أعمال تخريب واسعة النطاق ضدّ الممتلكات الفلسطينية الخاصة (كالمنازل والمحال التجارية والمركبات والمعدات الزراعية)، وتسميم مصادر المياه، وحرق الحقول والمراعي الزراعية، واستخدام أساليب متنوعة تهدف إلى منع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم (مثل منعهم من الوصول إلى بساتين الزيتون خلال موسم الحصاد).

ووفقًا لمنظمة “كيرم نافوت” الإسرائيلية لحقوق الإنسان، طُرد سكان أكثر من خمسين تجمعًا فلسطينيًا بين عامي 2022 و2024 بسبب عنف المستوطنين.

اعتداءات المستوطنين والجيش الإسرائيلي

يشير الفلسطينيون أيضًا إلى أنه في بعض الأحيان، يشارك جنود جيش الاحتلال في حوادث إرهاب المستوطنين أو يقفون مكتوفي الأيدي ويسمحون بوقوعها.

ويمكن إرجاع هذه الظاهرة جزئيًا إلى أن العديد من أفراد الأمن الإسرائيليين في الضفة الغربية هم أنفسهم مستوطنون، فيما أدت حرب غزة إلى تراجع الانضباط العملياتي، وتنامي العداء تجاه الفلسطينيين.

وتشمل العوامل الإضافية التي ساهمت في الارتفاع الأخير في إرهاب المستوطنين ما يلي: انخفاض الدافع بين سلطات إنفاذ القانون (وخاصة الشرطة) لمعالجة الإرهاب اليهودي.

وكذلك الوضع الضعيف لجهاز الأمن الداخلي؛ والتصورات بأن إدارة ترامب، بعد أن رفعت العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن على ثلاثين فردًا ومنظمة مرتبطة بعنف المستوطنين، أصبحت أكثر تعاطفًا مع النشاط الاستيطاني اليهودي في الضفة الغربية.

وبينما تعتبر دولة الاحتلال الضفة الغربية إحدى الجبهات النشطة في الحرب التي تخوضها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن هذه المنطقة كانت مسرحًا ثانويًا حتى الآن، على الأقل من حيث الخسائر الإسرائيلية.

مع ذلك، قد يتغير هذا الوضع إذا اشتد العنف المحلي من قبل عناصر اليمين المتطرف. تتمتع هذه الجبهة بإمكانية أكبر لتكبيد “إسرائيل” خسائر فادحة من حيث الخسائر في الأرواح، والتداعيات الدبلوماسية، وتحويل موارد كبيرة لاحتوائها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى