غزة تواجه واحدة من أكبر حالات الإبادة البيئية في التاريخ الحديث
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فقد آلاف المدنيين الفلسطينيين أرواحهم في غزة، في وقت واصلت دولة الاحتلال الإسرائيلي هجماتها المدمرة، محولة الدمار الناجم عن هذه الاعتداءات إلى الإبادة البيئية الشاملة.
وبالإضافة إلى الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في غزة، تسببت الهجمات في جرائم إبادة بيئية من خلال إتلاف الأراضي الزراعية وموارد المياه والنظم البيئية والتنوع البيولوجي.
ويستخدم معهد القانون الأوروبي مصطلح الإبادة البيئية كاختصار للتدمير البيئي، حيث يعني “تدمير البيئة وإتلافها بأي ثمن”.
والإبادة البيئية تعتبر جريمة ضمن فئة جرائم الحرب في نظام روما الأساسي، المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تعرف الهجمات التي تسبب أضراراً واسعة النطاق وطويلة الأمد وخطيرة للبيئة الطبيعية في سياق الحرب أو الصراع باعتبارها أعمالاً إجرامية.
آثار الإبادة البيئية في غزة
في الأشهر الأربعة الأولى من الهجمات، ألقت دولة الاحتلال 70 ألف طن من القنابل على المنطقة، بما في ذلك قنابل الفوسفور، المحظورة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة بشأن بعض الأسلحة التقليدية.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن الذخائر المصنفة كأسلحة حارقة، بما في ذلك قنابل الفوسفور الأبيض، يمكن أن تسبب أضرارا كبيرة للبنية التحتية والبيئة.
ويعتبر الفوسفور الأبيض خطيرًا للغاية، إذ يشتعل عند ملامسته للهواء ولا يمكن إطفاؤه طالما كان الأكسجين موجودًا.
عندما يتلامس الفوسفور الأبيض مع الماء، فإنه قد يظل مختبئًا لسنوات ويتسبب في تسمم الكائنات المائية. وينتشر الفوسفور الأبيض عبر مصادر المياه إلى مستجمعات المياه، ثم إلى التربة والهواء، وعندما يتلامس مع النباتات فإنه يقتلها.
تدمير الأراضي الزراعية
بحسب تقرير تقييم الأضرار التي لحقت بالمناطق الزراعية في قطاع غزة الذي نشره معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR) بالتعاون مع المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN) ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في يونيو/حزيران، فقد انخفضت الإنتاجية الزراعية في غزة بمرور الوقت بسبب الحرب المستمرة.
تم إجراء تحليلات مختلفة باستخدام صور من القمر الصناعي Sentinel-2 الملتقطة في عامي 2017 و 2024 لفحص الأضرار التي لحقت بالأشجار والمحاصيل الحقلية.
وخلصت الدراسة إلى أن القصف والأضرار التي تسببها المركبات الثقيلة والضربات الجوية وعناصر الصراع الأخرى أثرت بشدة على المناطق الزراعية.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة حوالي 150 كيلومتراً مربعاً، وهو ما يعادل 41 في المائة من مساحة المنطقة.
وبالمقارنة بمتوسط السنوات السبع السابقة، لوحظ انخفاض في الإنتاجية في 63 في المائة من الحقول بحلول يونيو 2024.
وأشارت البيانات المستمدة من صور الأقمار الصناعية المؤرخة بتاريخ 18 يونيو/حزيران 2024، إلى درجات متفاوتة من الضرر الذي لحق بالمناطق الزراعية في خمس مناطق رئيسية في قطاع غزة.
وفي هذا السياق، تضررت نحو 75% من الأراضي الزراعية في شمال غزة، والتي تبلغ مساحتها 31.3 كيلومتراً مربعاً، أي ما يعادل 23.5 كيلومتراً مربعاً.
وفي مدينة غزة، تضرر 69% أو 21.6 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية من أصل 31.5 كيلومتر مربع.
وفي منطقة دير البلح تضرر 56% من مساحة الأراضي الزراعية البالغة 25.9 كيلومتر مربع، أو 14.6 كيلومتر مربع. وفي منطقة خان يونس تضرر 58% من مساحة الأراضي الزراعية البالغة 42.7 كيلومتر مربع، أو 24.6 كيلومتر مربع، وفي منطقة رفح دمر 52% من مساحة الأراضي الزراعية البالغة 19.1 كيلومتر مربع، أو 9.9 كيلومتر مربع.
أزمة النفايات الضخمة
في أعقاب الهجمات الإسرائيلية المدمرة، أصبحت البنية التحتية لفرز النفايات في المنطقة غير صالحة للاستخدام، مما أدى إلى تحول النفايات إلى مشكلة صحية عامة خطيرة.
وبحسب تقرير بعنوان “الحرب والنفايات في غزة”، نشرته منظمة “باكس من أجل السلام” الهولندية في يوليو/تموز الماضي، تم تحديد 225 موقعًا للنفايات تتراكم فيها القمامة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومايو/أيار 2024.
وأشار التقرير إلى أن هذا العدد يشمل مواقع النفايات التي كانت كبيرة بما يكفي ليتم اكتشافها بواسطة صور الأقمار الصناعية، في حين توجد أيضًا العديد من مواقع النفايات الأصغر حجمًا.
علاوة على ذلك، يساهم حرق النفايات في تلوث الهواء ويشكل خطر الإصابة بأمراض معدية مختلفة.
بحسب سلطة جودة البيئة التابعة للسلطة الفلسطينية، فإنه حتى الرابع من تموز/يوليو، يوجد في المنطقة ما بين 150 و200 نوع من الطيور، ونحو 20 نوعاً من الثدييات، و20 نوعاً من الزواحف النادرة والمهددة بالانقراض، في حين أن الاعتداءات الإسرائيلية تعرض هذا التنوع البيولوجي للخطر.
وقال رئيس مركز التنوع الحيوي والاستدامة في جامعة بيت لحم، البروفيسور مازن قمصية، إن بعض الأضرار البيئية في المنطقة أصبحت الآن غير قابلة للإصلاح.
وحث قمصية على إجراء المزيد من الدراسات حول هذه القضية، وقال إن الأبحاث المتوفرة تشير إلى أن نحو 70 في المائة من الأراضي الزراعية في المنطقة تضررت.
وأشار إلى أن طبقات المياه الجوفية في المنطقة تعرضت لأضرار كبيرة وقد لا تتعافى، وإذا حدث ذلك فقد يستغرق الأمر عقودًا.
ولفت إلى أنه لا يوجد مرجع قانوني دولي لتقييم الدمار البيئي الجاري، وبسبب حق النقض الذي تتمتع به بعض الدول في مجلس الأمن الدولي فإن هذه الجرائم تظل دون عقاب.
وبالتالي فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي فوق القانون وقد مارس الإبادة الجماعية والإبادة البيئية، في وقت يؤكد خبراء أن الأزمة الإنسانية في غزة ليست إقليمية فحسب بل عالمية وتشكل تهديدا للسلام العالمي.