الأزمة الإنسانية في غزة تتفاقم مع استمرار الحرب الإسرائيلية
في الوقت الذي احتفل فيه العالم باليوم العالمي للعمل الإنساني الذي يصادف 19 آب/أغسطس من كل عام، تلقي الحرب المستمرة في غزة والأزمة الإنسانية الناجمة عنها بظلالها القاتمة على الاحتفال العالمي بهذا اليوم.
لقد تصاعد الصراع، إلى واحدة من أشد الأزمات الإنسانية حدة في التاريخ الحديث، حيث تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين 40 ألف وتشرد ما يقرب من 85% من 2.3 مليون شخص يعيشون في غزة.
وأغلب هؤلاء الضحايا من النساء والأطفال، الذين تحملوا وطأة الغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة والعمليات البرية.
الجهود الإنسانية تحت الحصار
وتعمل المنظمات الإنسانية الدولية بلا كلل لتخفيف المعاناة في القطاع، إلا أن جهودها تتعرض للعرقلة باستمرار.
وفي التقارير الأخيرة، لا تزال عملية توصيل المساعدات إلى غزة تواجه تحديات شديدة، مع إغلاق نقاط الدخول الرئيسية بسبب الأعمال العدائية الإسرائيلية المستمرة.
كما تعرضت القوافل الإنسانية، بما في ذلك تلك التابعة للأمم المتحدة، للاستهداف بشكل متكرر، مما أدى إلى تأخيرات كبيرة.
وفي ظل حملة القصف الإسرائيلية المتواصلة، قُتل أكثر من 270 عاملاً إنسانياً أثناء محاولتهم توصيل المساعدات في ظل ظروف خطيرة.
وقالت منظمة ميرسي كوربس، وهي منظمة غير حكومية تعمل في غزة “لا يتم عبور أي بضائع إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم لأن منطقة التفريغ في المعبر كانت ممتلئة منذ أسابيع”.
وأضاف أنه “من غير الممكن استلام البضائع من المنطقة بسبب انعدام الأمن الشديد وانعدام القانون والقصف في المناطق الخاضعة للعملية العسكرية الإسرائيلية، والتي تحيط بهذا المعبر الحيوي. وقد أدى هذا إلى إغلاق معبر كرم أبو سالم الحدودي إلى غزة بالكامل”.
كما أدى تدمير المرافق الطبية والمدارس والبنية الأساسية الحيوية إلى جعل تقديم المساعدات بشكل فعال أمراً شبه مستحيل.
وسلطت لويز ووتريدج، المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، الضوء على الوضع المزري، مشيرة إلى أن حتى الضروريات مثل مياه الشرب النظيفة نادرة، مما يضطر الكثيرين إلى الاعتماد على مصادر غير آمنة.
ورغم التحديات، نجحت الأونروا في استعادة بعض الخدمات الحيوية، مثل محطة ضخ المياه في خان يونس، التي توفر الآن المياه النظيفة لنحو 100 ألف نازح.
ومع ذلك، فإن هذه الجهود لا تشكل سوى قطرة في بحر مقارنة بالاحتياجات الهائلة للسكان.
كانت الحرب مدمرة بشكل خاص بالنسبة للأطفال، إذ استشهد أكثر من 16 ألفاً منهم منذ بدء الصراع.
إن الخسائر النفسية التي يتكبدها الناجون هائلة. وتشير التقارير إلى أن التعرض المستمر للعنف والخوف والخسارة أدى إلى انتشار الصدمات النفسية، التي تتجلى في أعراض مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.
وقد وُصِف هذا الوضع بأنه يسبب “تدميرًا نفسيًا كاملاً” للأطفال، ويتركهم في حالة من الضيق العقلي العميق مع عواقب طويلة الأجل على رفاهتهم.
وفي تقديرات صادرة عن منظمة “أنقذوا الأطفال” غير الحكومية في شهر يونيو/حزيران، بلغ عدد الأطفال المفقودين في غزة نحو 21 ألف طفل، من بينهم 17 ألف طفل غير مصحوبين بذويهم أو منفصلين عنهم، و4 آلاف طفل مدفونين تحت الأنقاض.
ويعيش العديد من هؤلاء الأيتام الآن في ملاجئ مكتظة، ويواجهون تهديداً مستمراً بالإصابة بالأمراض وسوء التغذية.
وأكدت المديرة التنفيذية لليونيسف كاثرين راسل على الحاجة الملحة للدعم النفسي والموارد التعليمية لمساعدة هؤلاء الأطفال على إعادة بناء حياتهم.
وقالت راسل إن “حجم المعاناة التي يعيشها أطفال غزة لا يمكن تصوره”، داعية إلى اتخاذ إجراءات دولية فورية لحماية هذه الأرواح الشابة الضعيفة.
الاستجابة الدولية
لقد تعهد المجتمع الدولي بتقديم مليارات الدولارات كمساعدات إنسانية، ولكن الاستجابة تعرضت لانتقادات باعتبارها غير كافية بالنظر إلى حجم الأزمة.
فحتى 13 أغسطس/آب، لم يتم تغطية سوى حوالي 47% من مبلغ 3.42 مليار دولار الذي طلبته الأمم المتحدة لتمويل المشاريع الإنسانية في غزة والضفة الغربية، الأمر الذي ترك فجوة تمويلية كبيرة، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وأعلنت الولايات المتحدة، عن تقديم مساعدات إنسانية بقيمة 774 مليون دولار للفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولكن هذا لا يذكر مقارنة بالمساعدات العسكرية التي تبلغ قيمتها 6.5 مليار دولار والتي أرسلتها إلى “إسرائيل”.
وقال فولكر تورك، المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في بيان إن “المحنة التي لا يمكن تصورها” في غزة “ترجع في المقام الأول إلى الفشل المتكرر من جانب القوات الإسرائيلية في الامتثال لقواعد الحرب”.
ووصف تورك العنف المستمر بأنه “غير مقبول” ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار.
لكن على الرغم من الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلها الوسطاء، فشلت محادثات وقف إطلاق النار مراراً وتكراراً منذ انتهاء الهدنة القصيرة في نوفمبر/تشرين الثاني.
وفي الوقت نفسه، لا يزال الوضع على الأرض مزرياً، حيث تتعطل عمليات تسليم المساعدات بشكل متكرر وتظل العديد من المناطق في غزة غير قابلة للوصول بسبب العمليات العسكرية المستمرة.
وقد دعت الأمم المتحدة بإصرار إلى إنشاء ممرات إنسانية للسماح بمرور المساعدات والمدنيين بشكل آمن، ولكن هذه الدعوات ذهبت أدراج الرياح إلى حد كبير.
إن الأزمة الإنسانية في غزة تذكرنا بشكل صارخ بالتأثير المدمر للحرب على المدنيين، وخاصة النساء والأطفال.
ومع استمرار ارتفاع عدد الضحايا وتزايد الاحتياجات الإنسانية إلحاحاً، فإن استجابة المجتمع الدولي ستكون حاسمة في تحديد مستقبل سكان غزة. وإن الوضع يستدعي بذل جهود فورية ومنسقة لحماية الفئات الأكثر ضعفاً وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى أولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها.