وول ستريت جورنال: غزة في قلب الاحتقان المتزايد في الأردن ومصر

سلطت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية الضوء على الاحتقان المتزايد في الأردن ومصر، مؤكدة أن حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة تقع في قلب ذلك وتشكل تحديا هائلا للأنظمة الحاكمة في عمان والقاهرة.
جاء ذلك في تحليل مطول نشرته الصحيفة عنوانه “(إسرائيل) تواجه أعداءها والحرب تهز شركاءها مصر والأردن”.
وأبرزت الصحيفة تضمن الاحتجاجات المتكررة في العاصمة الأردنية، عمّان، انتقادات علنية للحكومة وعلاقتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. في بعض الأحيان، تجمع المتظاهرون قرب السفارتين الأميركية والإسرائيلية، حيث اشتبكوا مع القوات الأردنية.
وفي حين أن مصر فرضت قيودًا أكثر صرامة، إلا أنها سمحت أحيانًا للمصريين بالتنفيس عن غضبهم من خلال مظاهرات مُدارة بعناية ركزت فقط على التضامن مع الفلسطينيين – دون انتقاد لحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
تتشارك مصر والأردن أطول حدود مع دولة الاحتلال، ولديهما معاهدات سلام وتطبيع معها.
لكن تشكل الاضطرابات تحديًا لقيادة الدولتين العربيتين، اللتين تعتبران شريكتين أساسيتين للولايات المتحدة في مجال الأمن بالمنطقة.
كما تعتمد (إسرائيل) على القاهرة وعمّان لسحق الجماعات المسلحة غير الحكومية وتأمين حدودها الطويلة.
في الدول المجاورة الأخرى لإسرائيل، مثل لبنان وسوريا، تسيطر جماعة حزب الله والفصائل الفلسطينية منذ زمن طويل، مستخدمين تلك البلدان لإطلاق هجمات على دولة الاحتلال.
أوضاع أكثر حساسية
تجد الملكية الأردنية وحكم السيسي في مصر نفسيهما في أوضاع من بين الأكثر حساسية وإحراجًا في المنطقة. فقد استولى السيسي على السلطة عبر انقلاب أطاح برئيس مدعوم من جماعة الإخوان المسلمين.
بعد سلسلة من الحروب بين الأربعينيات والسبعينيات، وقعت الأردن ومصر معاهدات سلام مع “إسرائيل” عامي 1994 و1979 على التوالي. جلب هذا التطبيع على مستوى الحكومات تجارة وتنسيقًا أمنيًا واستخباراتيًا وعلاقات دبلوماسية، لكنه لم يمتد إلى قطاعات واسعة من الشعبين الأردني والمصري، الذين لا يزالون ينظرون إلى دولة الاحتلال باعتبارها عدوًا.
وقد زاد الحرب في غزة من توتر هذا التطبيع الهش والبارد، إذ اضطرت الدول العربية إلى قمع السخط الشعبي مع الحفاظ على الفوائد الاقتصادية والأمنية لعلاقاتها مع دولة الاحتلال.
دفع بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية اليمينية إلى اقتراح نقل الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، والفلسطينيين من غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية. وقد أجج ذلك الغضب الشعبي المتصاعد في البلدين.
حذرت مصر دولة الاحتلال من أن القاهرة قد تذهب إلى حد تعليق معاهدة السلام لعام 1979 إذا تم دفع الفلسطينيين إلى سيناء. وقال وزير الخارجية الأردني إن تهجير الفلسطينيين إلى الأردن سيُعتبر عملاً حربياً.
قال يوست هيلترمان، المستشار الخاص في برنامج الشرق الأوسط بمجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة فكرية: “بقاء الأردن يعتمد على ما تفعله (إسرائيل)، وكذلك النظام المصري: إذا دفعت (إسرائيل) الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وفشل النظام في إيقاف الموجة، فقد يسقط النظام، وإذا دفعت (إسرائيل) الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، فقد يعني ذلك نهاية المملكة الأردنية”.
صمتت مصر على الانتهاك الإسرائيلي لمعاهدة السلام عبر الاستيلاء على ممر حدودي.
لكن دولة الاحتلال تشعر بالقلق من عدم الاستقرار في مصر، لكنها تشعر بقلق أكبر تجاه الأردن، الذي يعمل كشرطي حامي للاحتلال، وترى أن استقرار المملكة أمر حيوي لأمنها الخاص.
ملايين الأردنيين هم من أصول فلسطينية، وكثير منهم يعبرون عن دعم عميق للقضية الفلسطينية وحتى لحركة حماس، التي نشأت من رحم جماعة الإخوان المسلمين في الثمانينيات.
ويمتد هذا الدعم إلى جماعة الإخوان المسلمين. فقد فاز جناحها السياسي في الأردن، جبهة العمل الإسلامي، بأغلبية مقاعد البرلمان في الانتخابات التشريعية العام الماضي، وأصبح يشكل الكتلة الأكبر في مجلس النواب.
ولا يزال مستقبل الحزب غير مؤكد، إذ أن حملة الأردن ضد الإخوان تضع موقفه من الجماعة في صف واحد مع السعودية والإمارات ومصر والعديد من الدول الأخرى في المنطقة.
قال نيل كويليام، الزميل المشارك في معهد شاتام هاوس للعلاقات الدولية: “لا شك أن الحرب الإسرائيلية لعبت دورًا رئيسيًا في تعبئة الدعم لجبهة العمل الإسلامي”، مضيفًا أن “النتيجة كانت صدمة للحكومة”.
مواصلة علاقات التطبيع
رغم معارضة جزء كبير من شعبيهما، حافظت الحكومتان الأردنية والمصرية بهدوء على علاقاتهما مع دولة الاحتلال من خلال التنسيق الأمني والتجارة، بما في ذلك في مجالات الطاقة والمياه، والتي تعاني الأردن من نقص حاد فيها.
وتعد الأردن ومصر إلى جانب دولة الاحتلال باستمرار من بين أكبر خمسة متلقين للتمويل الخارجي الأميركي في العالم، ويحافظون على علاقات عسكرية قوية مع الولايات المتحدة.
وتستضيف الأردن قوات أميركية، وساعدت العام الماضي الولايات المتحدة في إسقاط مقذوفات إيرانية كانت متجهة إلى دولة الاحتلال، مما أثار انتقادات داخل المملكة.
وفي مصر، كما في الأردن، “يتعاطف الرأي العام بشدة مع سكان غزة”، حسبما قال هيلترمان، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية.
قال هيلترمان: “مثلما هو الحال في أماكن أخرى في المنطقة، تعبر الأنظمة عن هذا التعاطف لكنها تحمل وجهة نظر مختلفة. فالحكومة المصرية تحتقر جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي تعادي حماس، وهي بحاجة إلى الدعم الإسرائيلي والتكنولوجيا الإسرائيلية”.
ومع ذلك، شنت مصر حملة قمع على الحملات المؤيدة للفلسطينيين، خشية أن تؤدي الأنشطة التضامنية إلى احتجاجات تهدد النظام. في أواخر العام الماضي، جددت المحاكم الجنائية المصرية احتجاز أكثر من 170 ناشطًا مؤيدًا للفلسطينيين تم اعتقالهم بسبب مشاركتهم في احتجاجات.
وفي الأردن، كانت جماعة الإخوان المسلمين وفروعها من بين أبرز المنظمين للاحتجاجات المتكررة. الحظر الشامل على الجماعة، الذي يشمل أيضًا حظر حضور أو تغطية الاحتجاجات التي تنظمها، يقرب الأردن من نهج مصر، حسبما يقول المحللون.
قال حسن أبو هنية، الخبير في الجماعات الإسلامية المقيم في عمّان: “الإخوان لديهم القدرة على تحريك الشارع، وهذا يقلق الحكومة”.
وأضاف: “الناس يريدون تحركًا ذا مغزى — قطع العلاقات (مع إسرائيل)، فرض عقوبات، وفرض عواقب حقيقية. لكن بدلاً من ذلك، تقوم الدولة بقمع الإخوان، إما لتخويف الناس أو لإبعادهم”.