تحليلات واراء

التاريخ الفلسطيني يرد على “فخ” دعوات تسليم سلاح المقاومة في غزة

مع تصاعد الحملة الإسرائيلية بالتواطؤ مع السلطة الفلسطينية ودول التطبيع العربي للضغط من أجل تسليم سلاح المقاومة، فإن التاريخ الفلسطيني يرد بفضح الفخ المنصوب وخطورته.

حدث في سبتمبر/ أيلول 1993، عشية توقيع اتفاقية أوسلو، مبادرة واسعة من أجل تسليم سلاح المقاومة والالتزام بالمبادئ المعلنة التي ستقود إلى دولة فلسطينية مستقلة.

في حين جرى تجريد كل أشكال المقاومة من أسلحتها سعيا وراء أوهام السلام، وفي المقابل ظلّ الاحتلال الإسرائيلي يطور من قدراته القتالية وصواريخه الهجومية وقنابله النووية، وظل يشحذ السكين على صخرة الصمت، ليواصل قتل الفلسطينيين من دون توقف.

بموازاة ذلك وسع الاحتلال حملة مصادرة الأراضي الفلسطينية وتوسيع مساحة المستوطنات في غزّة والضفة الغربية، وعلى سبيل المثال، قبل اتفاقية أوسلو كان المستوطنون يضعون يدهم على 23% فقط من أرض قطاع غزّة، وعشيّة توقيع اتفاقية القاهرة (4/5/1994)، فوجئ الفلسطينيون في قطاع غزّة، صباح اليوم التالي، بتمدّد سياج المستوطنات، حتى صار ملاصقاً لمخيّم خانيونس.

وقد تضاعفت مساحة الأرض التي يسيطر عليها المستوطنون لتصير في لحظة 46% من أرض غزّة، هذا التوسّع العاجل والكبير لمستوطنات غزّة، أدهش الناس الذين حسبوا أن اتفاقية السلام ستزيل المستوطنات، فإذا باتفاقية القاهرة تعزّز الاستيطان.

ما حصل في غزّة من تمدّد سريع للمستوطنات حصل في الضفة الغربية، وحصل عدم الالتزام الإسرائيلي بأيّ بند من بقيّة بنود المرحلة الانتقالية لاتفاقية أوسلو، التي كانت ستنتهي (سنة 1999) بإقامة دولة فلسطينية، وحلّ كلّ القضايا المؤجّلة، كالقدس والأرض والمياه والاقتصاد واللاجئين والمستوطنات والحدود.

ليدرك الفلسطينيون وقتها أنهم وقعوا في فخّ “أوسلو”، وأمسوا عالقين في شرك المفاوضات الكاذبة، التي فضحتها مفاوضات كامب ديفيد 2000، وزاد الطين بِلَّةً اقتحام شارون المسجد الأقصى لتتفجر انتفاضة الأقصى.

بعد ذلك عاد الفلسطينيون إلى سلاحهم حتى سنة 2005، السنة التي صار فيها محمود عبّاس رئيساً، بعد لقائه في مؤتمر العقبة مع رئيس وزراء إسرائيل آرييل شارون، وبحضور الرئيس الأميركي جورج بوش، والاتفاق على إنهاء الانتفاضة، والبدء بمفاوضات السلام من جديد.

في تلك الحقبة من التاريخ الفلسطيني، التقى عبّاس قادةَ التنظيمات الفلسطينية كافّة، واتفق معهم على وأد الانتفاضة، والتخلّي عن المقاومة، ونبذ العنف، ومواصلة مشوار السلام والوئام مع الاحتلال، ولا سيّما بعد أن تم الاتفاق مع الإسرائيليين والأميركيين على توفير الغطاء المالي لاستيعاب المقاومين كلّهم، الذين شاركوا في انتفاضة الأقصى، وأن يتوقّف الاحتلال عن ملاحقاتهم.

وقد وافقت الفصائل الفلسطينية في ذلك الوقت على إنهاء الانتفاضة الفلسطينية المسلّحة، ولجم السلاح، وتكميم فوّهات البنادق الفلسطينية شرط البدء بترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، بما في ذلك إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية للمنظّمة، وبناءً على ذلك الاتفاق، شاركت كثير من التنظيمات الفلسطينية في انتخابات المجلس التشريعي مطلع 2006.

لكن التلكّؤ الإسرائيلي في تنفيذ الاتفاقات، بما في ذلك عدم إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، المعتقلين ما قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو، ونقض إسرائيل لاتفاقية عدم التعرّض لشباب الانتفاضة بالاعتقال، مع مواصلة التوسّع الاستيطاني في أرض الضفة الغربية، واستمرار الجيش الإسرائيلي في استباحة الدم الفلسطيني، وعدم التزام الرئيس عبّاس بالاتفاق مع التنظيمات، في ما يتعلق بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني.

ذلك كلّه فرض على الشعب الفلسطيني أن يعود ثانية إلى حمل السلاح، ومواصلة مشوار التصدّي للعدوان الإسرائيلي، ولا سيّما في قطاع غزّة، الأرض الفلسطينية التي استطاعت أن تتحرّر من سلطة الحاكم العسكري الإسرائيلي، واستطاعت أن تتحرّر من سلطة التنسيق الأمني.

وحتى قبل اتفاقية أوسلو، يعود مثال منظمة التحرير، التي وافقت على تسليم أسلحتها الثقيلة، بعد حصار بيروت، في ثمانينيات القرن الماضي، مقابل ضمان الخروج الآمن من لبنان، على متن سفن بعيدا عن حدود فلسطين المحتلة، لترتكب بعد أيام قليلة مجزرة صبرا وشاتيلا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى