الاحتلال تعمد سحق القطاع التكنولوجي الواعد في غزة
حتى بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت منظومة التكنولوجيا في فلسطين تحظى باعتراف دولي في المشهد التكنولوجي العالمي بفضل مجموعتها الكبيرة من العاملين المستقلين وشركات الاستعانة بمصادر خارجية المتخصصة والشركات الناشئة في مراحلها المبكرة.
وقد جلب الشباب الفلسطيني المتعلم، بما في ذلك العديد ممن يجيدون اللغة الإنجليزية، مواهب وطاقات كبيرة إلى القوى العاملة في مجال التكنولوجيا العالمية.
وعلى الرغم من القيود الشديدة ومعدلات البطالة المرتفعة، ساهم قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنحو 4% (641 مليون دولار) في الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين، وكان مشهد الشركات الناشئة الناشئة في غزة جزءًا من ذلك.
تدمير التقدم والديناميكية
والآن، بعد أكثر من عشرة أشهر على الحرب الإسرائيلية، تم تدمير كل هذا التقدم والديناميكية إلى جانب الاقتصاد الفلسطيني.
لقد كانت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحرب هائلة. فوفقاً لمنظمة العمل الدولية، انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 32.8% خلال الأشهر الثمانية الأولى من الحرب.
وشهدت غزة انكماشاً حاداً بنسبة 83.5%، وشهدت الضفة الغربية المحتلة انخفاضاً بنسبة 22.7%. وارتفع معدل البطالة في مختلف أنحاء فلسطين إلى 50.8%، ووصل إلى 79.1% في غزة، وهو رقم مثير للقلق. وفي الوقت نفسه، يقدر معدل البطالة في الضفة الغربية بنحو 32%.
ومنذ بدء الحصار على غزة في عام 2007، أصبح العمل عبر الإنترنت أحد السبل القليلة الواعدة للتنمية الاقتصادية وإمكانية كسب المال.
ومع ارتفاع معدل البطالة إلى حوالي 50% ــ 70% بين الشباب ــ سمحت فرص العمل عن بعد للأفراد والشركات بالتغلب على القيود الشديدة المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع والتي تخنق قطاعات أخرى، مثل التصنيع.
وبفعل الحرب الإسرائيلية انهار قطاع التكنولوجيا تقريبًا.
بالإضافة إلى الخسائر البشرية المروعة والأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية في جميع أنحاء غزة، أحدثت الحرب التي استمرت قرابة عام دمارًا كبيرًا في قطاع كان أحد شرايين الحياة الاقتصادية القليلة للفلسطينيين.
في غزة، لا يستطيع الآلاف من المواهب التكنولوجية العمل بينما يركزون على البقاء على قيد الحياة – في محاولة لتأمين المأوى والغذاء والمياه وغيرها من الضروريات لأنفسهم ولأسرهم.
وقد تم تهجير حوالي 85 في المائة من العاملين في قطاع التكنولوجيا عدة مرات، وتعرض ما يقرب من 70 في المائة من المساحات المكتبية لأضرار.
وأدى الدمار إلى جعل أماكن العمل غير قابلة للوصول، حيث أصبحت بعض المساحات المكتبية الآن بمثابة ملاجئ للنازحين.
كما أن الانقطاعات المتكررة لشبكة الاتصالات تزيد من تعقيد الاتصالات.
خسائر بشرية
فضلا عن ذلك فقد العديد من أعضاء المجتمع التكنولوجي في غزة أقاربهم، وخسرت الشركات موظفيها، وأبلغ 25% من ممكِّني النظام البيئي التكنولوجي عن وفاة مؤسس أو مالك شركة ناشئة على الأقل.
ومن بين هؤلاء أبو شاويش، مؤسس شركة توصيل الطلبات الناشئة “تورود”، ومي عبيد، مهندسة برمجيات لم تسمح لضمور العضلات لديها بالوقوف في طريق تحقيق أحلامها التكنولوجية.
رغم ذلك هناك العديد من الاستراتيجيات المتاحة لتنشيط قطاع التكنولوجيا عندما تسمح الظروف على الأرض بذلك. والعمل عبر الإنترنت أصبح أكثر أهمية مما كان عليه قبل الحرب.
وستظل الخدمات المقدمة عبر الإنترنت من فلسطين إلى الأسواق الخارجية واحدة من الفرص القليلة القابلة للتطبيق لبناء اقتصاد مستدام وتوفير دخول عالية للعديد من الشباب في فلسطين.
إن تدريب الشباب على المهارات المتخصصة من شأنه أن يمكن الأفراد والشركات الفلسطينية من المنافسة بنجاح ضد العرض العالمي من المهارات التكنولوجية الأقل تكلفة والأقل جودة.
لا يحتاج العاملون عبر الإنترنت إلا إلى جهاز كمبيوتر محمول ومساحة عمل آمنة وشبكة إنترنت موثوقة وكهرباء . وخلال الأزمة، مكنت مساحات العمل المشتركة المصنوعة من خيام كبيرة أو مبانٍ شبه متضررة ومجهزة بألواح شمسية وإنترنت العديد من سكان غزة من مواصلة العمل عبر الإنترنت.
فلسطين، وخاصة غزة، لديها بالفعل عشرات الآلاف من المواهب التقنية المؤهلة الحريصة على العودة إلى العمل عبر الإنترنت.
وتظل المواهب التقنية في غزة صامدة ومتحمسة لاستئناف العمل. إن أولويتهم في العودة إلى العمل في مساكن شبه دائمة، حتى على تأمين منازل جديدة، إذا أتيحت لهم الفرصة، تؤكد على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية ومنسقة لدعم إحياء القطاع.
لكن اللاعبين في النظام البيئي التكنولوجي الفلسطيني يحتاجون بشكل عاجل إلى المساعدة من مجتمع التكنولوجيا العالمي.
إن العالم المتطلع إلى المستقبل والذي يهتم بمحنة سكان غزة لابد وأن يستغل قوة التكنولوجيا لإعادة بناء مستقبلهم. صحيح أن المخاطر كبيرة، ولكن الإمكانات المتاحة لتحقيق تأثير إيجابي أكبر.
المصدر/ the national news