تحليلات واراء

سلاح التنسيق الأمني يشتد في مواجهة تصاعد المقاومة في الضفة الغربية

سرعان ما عززت دولة الاحتلال الإسرائيلي قنوات التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية في رام الله سعيا لتطويق ومواجهة تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية المحتلة في الأسابيع الأخيرة.

غير أن وسائل إعلام عبرية أبرزت أن تعزيز التنسيق الأمني اشتد أكثر بعد عملية تل أبيب الاستشهادية منتصف الأسبوع الماضي، وتهديد فصائل المقاومة بعودة هذا النوع من العمليات.

وقد دفع ذلك أجهزة الاحتلال الأمنية إلى تعزيز التنسيق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بهدف “إحباط عمليات محتملة”، على غرار الانفجار الأخير الذي وقع في تل أبيب حسبما أوردت قناة (كان 11) العبرية.

وأوردت القناة أنه “بعد الانفجار المذكور، تبادلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية رسالة استثنائية أكدت أهمية التنسيق الأمني بين الطرفين”.

“نعمل بتنسيق كامل”

ونقلت القناة، عن مصادر إسرائيلية وفلسطينية مطلعة قولها “إننا نحن نعمل بتنسيق كامل”، مشيرة إلى أنه “خلال الأسبوع الماضي، اكتشفت الأجهزة الفلسطينية ودمرت عشرات العبوات الناسفة في معامل أُنشئت من قبل مقاومين في الضفة الغربية، من بينها 15 عبوة في جنين و20 عبوة في قرى شمال الضفة”.

وأوضحت القناة أن العبوات المُصادرة تزن كل منها عشرة كيلوغرامات من المواد المتفجرة، وهي مشابهة إلى حد كبير للعبوة التي انفجرت في تل أبيب.

ونبهت إلى أن “هذه الأنشطة العملياتية المكثفة لأجهزة الأمن الفلسطينية تأتي لأسباب عدة، من بينها مواجهة التهديد الذي يحدق بسيطرتها على مناطقها في الضفة والضغط الإسرائيلي المتصاعد”.

وقالت إنه “رغم الوضع الأمني، يجتمع رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية، هشام إبراهيم، بشكل منتظم، مع كبار المسؤولين الأمنيين الفلسطينيين لمتابعة قضية العبوات”، موضحة أن الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية تتمثل في منع التصعيد في الضفة الغربية للسماح للجيش بالتركيز على غزة ولبنان.

استنفار إسرائيلي

وعلى مدار ساعات، استنفر جيش الاحتلال عناصره وزجّ بالمئات منهم في مدينة قلقيلية في الضفة الغربية المحتلة، مساء السبت، للبحث عن مستوطنين اثنين اختفت آثارهما هناك، قبل أن تعثر شرطة الاحتلال عليهما بعد ساعات من اقتحام المدينة، من دون أن “يصابا بأي أذى”، فيما اندلعت ومواجهات عنيفة بين شبان وقوات الاحتلال، أدت إلى إصابة شاب بالرصاص.

وأبرزت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، أن تعاظَم استنفار شرطة العدو مع نشر وسائل إعلام إسرائيلية، ومنها قناة “كان” الرسمية، أنباء عن أن الجيش “لم يتمكن من العثور على المستوطنَين اللذين تعرّضا لهجوم من قبل السكان في قلقيلية، واختفت آثارهما”.

وتأتي هذه الحادثة فيما بات يشكّل اختفاء المستوطنين أو تعرضهم للقتل أو الخطف هاجساً لدى قادة الأمن، وخاصة على ضوء أحداث الشهرين الماضيين؛ حيث قُتل مستوطن في حزيران عقب استهدافه بإطلاق نار وسط مدينة قلقيلية، وأُحرقت مركبته التي تحمل لوحة تسجيل إسرائيلية.

كما قُتِل، قبل أسبوع، جندي في مستوطنة “كدوميم” القريبة من قلقيلية، في عملية نفذها شاب بواسطة مطرقة (شاكوش)، بعد أن سيطر على سلاح الجندي، ثم استولى على مركبة مستوطن، وانسحب من المكان الواقع قرب قرية جيت، علماً أنه منذ ذلك الحين تشن قوات الاحتلال اقتحامات ومداهمات متكررة لمعظم مناطق المحافظة.

قلقيلية علامة فارقة

وخلال عام واحد فقط، سجّلت محافظة قلقيلية علامة فارقة في مسار المقاومة المسلحة، وذلك على غرار جنين ونابلس وطولكرم وطوباس، حيث انتقلت من المقاومة الفردية، التي جسّدها الشهيد علاء نزال الذي اغتاله الاحتلال ورفيقه أنس داوود مطلع كانون الأول الماضي، إلى العمل المنظم.

تم ذلك مع تشكيل “مجموعات ليوث المجد” التابعة لـ”كتائب شهداء الأقصى”، و”كتيبة قلقيلية – سرايا القدس” بالإضافة إلى كتائب القسام، والتي تبنّت جميعها عمليات عدة، سواء إطلاق نار على حافلات المستوطنين أو تفجير عبوات ناسفة.

ويحاصر الاحتلال الإسرائيلي مدينة قلقيلية وقراها بأكثر من 25 مستوطنة وبؤرة استيطانية نصبتها فوق أراضيها منذ عام 1975، تستحوذ على أكثر من نصف مساحتها، ويقطنها غلاة المستوطنين، أمثال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، فيما يتساوى تعداد المستوطنين مع تعداد السكان الفلسطينيين للمحافظة.

وقد دأب المستوطنون على اقتحام عدد من مناطق المحافظة، وحتى اقتحام بعض المحال التجارية، وخاصة كراجات السيارات لإصلاح مركباتهم (لتكلفة ذلك الزهيدة هناك)، في ما ينظر إليه من قبل جيش الاحتلال كتحدّ أمني قد يوقع عدداً من القتلى والجرحى.

تحذيرات من انتفاضة ثالثة في الضفة

تتوالى التحذيرات الأمنية الإسرائيلية من مغبة اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة، فيما نقلت مصادر أمنية وعسكرية تلك التحذيرات إلى المستويات الكبيرة في قادة الجيش والحكومة.

وتحدث الباحث الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، مايكل ميلشتاين، في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، عن 3 عوامل متشابكة تجعل الضفة تغلي، على حد وصفه.

وذكر أن “هذه العوامل بدأت قبل الـ7 من تشرين الأول 2023، وتسارعت في أعقابه”، وأن دور السلطة الفلسطينية وجهود الاحتلال الإسرائيلي حالت حتى الآن دون سيناريوهات مرعبة مثل انتفاضة ثالثة ستؤدي قريباً إلى تحدّ استراتيجي حاد.

وتتمثل تلك العوامل، بحسب ميلشتاين، في الجهود المتنامية التي تبذلها حركة حماس لتصعيد المقاومة من جهة وضعف السلطة الفلسطينية بسبب صورتها السلبية في الداخل كجسم فاسد ومهتز، والتضييق الذي تفرضه دولة الاحتلال على موازنة عائدات الضرائب وتقييد حركة العمال، والذي يسهم في خلق أزمة اقتصادية تؤدي إلى فقدان تدريجي للسيطرة على الأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى