تحليلات واراء

تسريع الضم الإسرائيلي الرسمي للضفة وسط تواطؤ صارخ من السلطة

يجمع مراقبون على أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تعمد حاليا على تسريع وتيرة الضم الإسرائيلي الرسمي للضفة الغربية المحتلة وسط تواطؤ صارخ من السلطة الفلسطينية وتمسكها بمعاداة المقاومة والحفاظ على التنسيق الأمني “المقدس”.

ويشير المراقبون إلى سلسلة من السياسات الإسرائيلية الجديدة التي تدعم تسريع وتيرة الضم للضفة منها إقامة نقاط عسكرية دائمة في مناطق (أ) واحتمالات عالية لتحويلها إلى مراكز حكم عسكري، وهدم المخيمات وتغيير جغرافيتها.

يضاف إلى ذلك سياسات الاحتلال في التهجير الجماعي للسكان ومنعهم من العودة إلى بيوتهم، وفرض القيود على الحركة والتنقل خارج التجمعات وتحويلها إلى كانتونات شبه مغلقة بموازاة تسارع البناء الاستيطاني فيما تبقى من الأرياف.

وفي 22 من يناير/ كانون الثاني الماضي، وضمن ما سُميت عملية “السور الحديدي” التي أطلقها الاحتلال، توجه وزير الجيش يسرائيل كاتس إلى مخيم جنين وصرح، وفق ما نقلت عنه وسائل إعلام إسرائيلية، بأن “مخيم جنين لن يعود إلى ما كان عليه مرة أخرى. وسيبقى الجيش الإسرائيلي في المخيم”.

وفي هذه العملية المتواصلة على المخيم، ووفق مدير شؤون وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، رولاند فريدريك، استخدم الاحتلال أسلحةً متطورة، وأساليب حربٍ متقدمة، بما فيها الغارات الجوية، في العملية العسكرية التي تشنها على مخيم جنين.

وأخيراً، أعلن جيش الاحتلال أنه نقل فصيلة دبابات إلى جنين، للمشاركة في ما سماه “الجهد الهجومي”، للمرة الأولى منذ عام 2002.

وهكذا، تتزايد الشواهد على أن الاحتلال يعمم نهجه الحربي في الضفة الغربية بعدما أمعن فيه بقطاع غزة، وأنه يحاول أن يستنسخ أساليبه التي استخدمها هناك.

ومن أبرز تلك الوقائع وأخطرها تهجير السكان من المخيمات تمهيداً لتعميم التهجير على أي منطقة خارج المخيمات في الضفة، لتجريع الفلسطينيين والعالم مرارة هذه الصورة، فائقة الإفراط والعنصرية والاستعداء.

الفرق بين غزة والضفة

الفارق الجوهري بين الضفة الغربية وقطاع غزة أن في غزة مقاومةً مسلحةً تحكم القطاع، وأنها وجهت ضربةً شديدة الإيلام في 7 أكتوبر (2023) لكامل كيان الاحتلال وجيشه، لكن في الضفة هناك شعبٌ تحكمه السلطةُ الفلسطينية، وهي تعادي المقاومة نهجاً وفكراً، ولا تشارك بأي شكل في دعمها، أو توفير بيئة مساندة لها.

وفي الضفة الغربية الاحتلال يمعن توسعاً واستيطاناً وخنقاً للحياة اليومية، وانتهاكات تصل لأن تكون تعليمات بالقتل لأدنى شبهة، حتى حين لا تكون هناك خطورة على حياة جنود الاحتلال، فضلاً عن تدمير مرافق الحياة بما يتجاوز بكثير محاربة المقاومين، ليطاول الناس العاديين، وحياتهم ومستقبل وجودهم.

وتصعد سلطات الاحتلال الإسرائيلي عمليات الهدم الممنهجة في الضفة الغربية، متبعةً سياسة “الهدم أكثر مما يبنون”، وفق رؤية وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، لإعاقة التوسع العمراني الفلسطيني وتعزيز الاستيطان. وذلك في إشارة إلى الأهداف الحقيقية للاحتلال، وأنها استهداف الوجود الفلسطيني الطبيعي بحد ذاته، بمعزل عن الادعاءات الأمنية.

ومنسوب المقاومة في الضفة محدود إذا ما قيس بمنسوبها في قطاع غزة، حيث لا تشهد كبريات المدن، وكثيرٌ من البلدات والقرى، نشاطات مقاومة غير عادية، وتكاد تتركز المقاومة في مخيمات جنين وطولكرم، وبعض مخيمات نابلس وبلدات في محيطها، والأغلب أن قوات الاحتلال هي التي تبادر فتهاجم المقاومين في داخل تلك التجمعات السكنية.

إكمال الاحتلال منجزات السلطة

اللافت أن الاحتلال لا يبدو مهتماً بحصر حربه في عمليات موضعية، بقدر ما يميل إلى تعميم الصورة، وتصوير الضفة الغربية جبهة حرب ناجزة.

وفي تصريحات لمسؤول أمني فلسطيني فإن قوات الأمن الفلسطينية أنجزت 80% من الأهداف المتعلقة بالمقاومة في مخيم جنين، ثم لم يكتف الاحتلال بما حققه أمنُ السلطة الفلسطينية، ولم يتقبل ابتعاده عن مباشرة العدوان بنفسه، لأسباب دعائية موجهة إلى قواعده اليمينية في دولة الاحتلال، ولأسباب أيديولوجية يتبناها قادة الليكود والأحزاب الصهيونية، والدينية العنصرية.

ومع أن الاحتلال في مخاطباته للفلسطينيين في الضفة يحاول الإيهام بأنه لا يستهدف غير المقاومين، إلا أنه في الواقع لا يستثني من تنكيله أحداً، فهو لا يترك الفلسطيني يشعر بالاستقرار أو الأمان في أي بقعة من الضفة الغربية.

وإذا كان نتنياهو يُصنف السلطة الفلسطينية (وهي النموذج المؤسسي الأوضح في مسالمته) عدواً وتهديداً لإسرائيل، فأي فلسطيني سواها يمكن أن يسلم مِن معاداته وعدوانه؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى