عبر هآرتس: الإمارات تعرض خدماتها كوسيط لدعم تعميم التطبيع

في أحدث حلقات مشروع تعميم التطبيع العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، يظهر دور الإمارات العربية المتحدة هذه المرة ليس عبر اتفاقيات رسمية أو لقاءات علنية، بل عبر الترويج الإعلامي المباشر في الصحافة الإسرائيلية.
فقد نشرت صحيفة هآرتس مقالًا لكاتب إماراتي يدعى طارق العتيبة، دعا فيه إسرائيل إلى منح “فرصة” للرئيس السوري الجديد، الذي وصفه بأنه “جهادي سابق”، مشيدًا في الوقت ذاته بدور أبو ظبي كوسيط إقليمي بين تل أبيب ودمشق.
المقال، الذي لا يمكن عزله عن المسار السياسي الذي تقوده الإمارات منذ توقيع اتفاقيات أبراهام، يعبّر عن تحول عميق في الخطاب الرسمي لبعض العواصم العربية، حيث تُستخدم شخصيات مقربة من دوائر القرار الإماراتي للترويج لتحالفات إقليمية جديدة، حتى مع أنظمة ووجوه كانت قبل سنوات مصنّفة كـ”إرهابية”.
من “الإرهاب” إلى الشراكة؟
يركز الكاتب الإماراتي في مقاله على شخصية الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، الذي يصفه صراحة بأنه “منخرط سابق في الإرهاب”، دون أن يوضح كيف انتقل من الجهادية إلى الرئاسة، أو من أي مسار قانوني أو سياسي مرّ عبره.
ومع ذلك، يدعو الكاتب إلى ما يسميه “فرصة ثانية”، مقترحًا أن تتعامل إسرائيل مع هذا التحول بـ”حسن نية”، في مقابل ضمانات من الشرع بعدم العودة إلى دعم قوى المقاومة في المنطقة.
لكن ما يثير الانتباه أكثر، هو طريقة تقديم الإمارات كلاعب مركزي في هذه المرحلة، حيث يصف العتيبة بلاده بأنها “صديق إقليمي” يمكن لإسرائيل الاعتماد عليه في اتخاذ قراراتها الصعبة.
ويذهب أبعد من ذلك بالقول إن الإمارات “تمنح الشرع فرصة”، وتعمل “بهدوء كوسيط” بين دمشق ودولة الاحتلال، وكأنها تتحدث باسم تل أبيب ودمشق في آنٍ معًا.
التطبيع بوابة لشرعنة التحولات الإقليمية
من خلال هذا المقال، تواصل الإمارات استخدام أدوات القوة الناعمة – بما فيها الإعلام – لتثبيت موقعها كعراب التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل.
فالمقال لا يقتصر على تبرير العلاقة مع دولة الاحتلال، بل يفتح الباب أيضًا للتطبيع مع أنظمة طالما وُصفت في الإعلام الخليجي بـ”الإرهابية”، طالما أنها تدخل عبر البوابة الإماراتية.
يشير المقال إلى أن الرئيس السوري الجديد أبلغ نائبًا أميركيًا برغبته في الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مؤكدًا استعداده لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال إذا توفرت “الشروط المناسبة”.
ويضيف أن الشرع استعمل في خطابه اسم “إسرائيل” بدلًا من مصطلحات مثل “الكيان الصهيوني”، في إشارة إلى ما يعتبره الكاتب تحولًا فكريًا يستحق التشجيع.
تبييض الجهاد عبر التطبيع؟
يعترف الكاتب الإماراتي بأن قوات الرئيس السوري ارتكبت “فظائع” ضد العلويين، لكنه يمرّ عليها سريعًا ليؤكد أن الشرع “تعهد بمحاسبة المسؤولين”.
كما يشير إلى رموز “الانفتاح” مثل وجود امرأة كاثوليكية غير محجبة في الحكومة، والسماح ببعض الطقوس المسيحية، ليقدّم صورة ناعمة عن نظام لا تزال ممارساته غامضة وموضع شك دولي.
لكن اللافت هو أن كل هذا يُستخدم كمدخل لتبرير التعامل الإسرائيلي مع النظام الجديد، بل والدعوة إلى حمايته ودعمه. وكأن الرسالة التي تروّجها أبو ظبي عبر كاتبها هي أن الاعتدال لا يُقاس بالماضي الدموي بل بالاستعداد لتوقيع اتفاق مع تل أبيب.
أبو ظبي بوابة “الاعتدال” حسب المقاييس الإسرائيلية
بخلاف ما يُفترض أن يكون موقفًا عربيًا موحدًا تجاه الاحتلال الإسرائيلي، يعيد المقال رسم خارطة التحالفات على أساس جديد: من يعادي الإسلام السياسي ويطبّع مع دولة الاحتلال هو “شريك موثوق”، حتى لو كانت يداه ملطخة بالدماء.
في هذا السياق، يشيد الكاتب بموقف الإمارات والسعودية والأردن أثناء التصعيد الأخير مع إيران، قائلًا إن “لأول مرة لم تكن (إسرائيل) وحيدة في الشرق الأوسط”.
كما يصف بوصلة أبو ظبي بأنها “الأدق” في مواجهة الإسلاميين، ويضعها في قلب التحولات الكبرى التي تعيد رسم توازنات المنطقة.
والمقال يكشف بوضوح كيف أصبحت العلاقة مع تل أبيب، عبر الإمارات، معيارًا لقبول أي نظام جديد في المنطقة. فالكاتب لا يناقش مستقبل سوريا من منظور شعبي أو ديمقراطي، بل فقط من زاوية مدى نفعها لإسرائيل.
وبينما تمارس أبو ظبي هذا الدور بـ”هدوء” كما يقول الكاتب، فإنها تمضي قدمًا في محاولة إعادة تعريف “الاعتدال” في المنطقة، لا كقيم ديمقراطية أو حقوقية، بل كولاء للمحور الذي تقوده هي وتل أبيب وواشنطن.