الأردن على حافة الهاوية: ضغوط الحرب في غزة وإدارة ترامب القادمة
أكد معهد كوينسي الدولي للدراسات والأبحاث أن الأردن يقف على حافة الهاوية بفعل ضغوط حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القادمة بما في ذلك احتمال تأييدها ضم دولة الاحتلال الضفة الغربية المحتلة.
وبحسب المعهد فقد غاب الأردن إلى حد كبير عن التغطية الإعلامية الأمريكية الواسعة النطاق للأحداث في الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر 2023، وبالمثل لم يظهر بشكل بارز في الجهود التي تبذلها الحكومة الأمريكية لمعالجة التطورات اللاحقة.
وذكر المعهد أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وجد نفسه مهمشًا في ظل إدارة ترامب الأولى، التي أعطت الأولوية لمصالح تل أبيب والرياض وأبو ظبي.
وبعد تنصيب بايدن في عام 2021، كان عبد الله أول زعيم أجنبي يزور البيت الأبيض، حريصًا على إعادة تأسيس الشراكة بين الولايات المتحدة والأردن.
وقد أصبح عبد الله رئيس الدولة الذي زار البيت الأبيض في عهد بايدن بشكل متكرر، حيث جاء ثلاث مرات قبل 7 أكتوبر ومرتين منذ ذلك الحين، مما يشير إلى اعتراف بايدن بدور الأردن في المنطقة.
قلق أردني من عودة ترامب
أثارت عودة ترامب إلى السلطة قلق العديد من الأردنيين بشأن العواقب المحتملة على بلدهم ومنطقتهم. فقد أعلن مسؤولون حكوميون إسرائيليون عن نيتهم ضم الضفة الغربية، وهي الخطوة التي من شأنها أن تؤدي إلى تهجير المزيد من الفلسطينيين إلى الأردن، وهو ما تعتبره عمان تهديدا وجوديا.
وقد واجهت الأردن منذ فترة طويلة ضغوطاً سياسية واقتصادية. فالموارد غير الكافية للمملكة تعاني من ضغوط ديموغرافية، وخاصة وأن المملكة اضطرت مراراً وتكراراً إلى استيعاب اللاجئين الفارين من العنف الإقليمي.
كما تواجه العائلة المالكة الأردنية تهديدات لشرعيتها، نظراً لأصول الهاشميين في منطقة الحجاز في ما يعرف الآن بالمملكة العربية السعودية. وتشمل الضغوط الأحدث مطالبات متزايدة من الأردنيين بأن يبذل الملك عبد الله المزيد من الجهود لدعم الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، ومعالجة التداعيات الاقتصادية للصراع الإقليمي.
وحتى عام 1994، حافظ الأردن على حالة نشطة من العداء تجاه (إسرائيل)، وشارك في حروب 1948 و1967 و1973. ولكن بعد أن وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقيات أوسلو في عام 1993 ووعد واشنطن بإعفاء الأردن من ديونه وتقديم الدعم الاقتصادي والعسكري، وافق الملك حسين على توقيع معاهدة سلام مع (إسرائيل).
ورغم أن معاهدة السلام لم تحظ بشعبية محلية قط، بل أصبحت أقل شعبية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن الأردن يعتمد على الدعم الأميركي، الذي قد ينتهي إذا فشل الأردن في الالتزام بشروطها.
وفي العديد من المقابلات، أعرب الأردنيون عن قلقهم من أن تلغي (إسرائيل) أجزاء رئيسية من المعاهدة، مثل إزالة الأردن من الوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، أو طرد الفلسطينيين إلى الأردن، أو مهاجمة الأردن نفسه.
ومع عودة ترامب، يخشى الأردنيون أن تزداد مصالحهم تهميشا، فضلا عن مصالح الفلسطينيين، مع عواقب كبرى على الاستقرار الإقليمي والمصالح الأميركية الأساسية في الشرق الأوسط.
الأردن على حافة الهاوية
تزايدت الضغوط السياسية على الحكومة الأردنية بشكل ملحوظ بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة والتصعيد الشديد في الضفة الغربية.
فقد احتج آلاف الأردنيين على تصرفات الاحتلال الإسرائيلي وطالبوا حكومتهم ببذل المزيد من الجهود لدعم فلسطين.
وفي الثامن من سبتمبر/أيلول 2024، أطلق سائق شاحنة أردني النار بالقرب من جسر الملك حسين/اللنبي، وهو المعبر الحدودي بين الأردن والضفة الغربية، فقتل ثلاثة إسرائيليين. وكان المهاجم قبيلة الحويطات القوية في جنوب الأردن، والتي كانت لفترة طويلة معقلاً لدعم النظام الملكي الأردني.
وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول، عبر أردنيان الحدود جنوب البحر الميت وفتحا النار على جنود إسرائيليين، ما أدى إلى إصابة العديد منهم قبل مقتل الأردنيين.
وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني، أطلق مسلح النار على مقر السفارة الإسرائيلية في عمان، ما أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص قبل أن يتم إطلاق النار عليه وقتله.
ومع استمرار (إسرائيل) في شن الحرب على غزة، وعلى نحو متزايد على الضفة الغربية، فقد يرد الأردنيون بمزيد من العمليات ضد الأهداف الإسرائيلية.
وقد عكست نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر سبتمبر/أيلول غضب الأردنيين تجاه الحكومة. فقد فازت جبهة العمل الإسلامي، وهي الحزب السياسي الأكبر في البلاد، بأغلبية المقاعد ـ 31 مقعداً من أصل 138 مقعداً ـ على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة لتشجيع الأحزاب الأخرى على المنافسة.
كانت جبهة العمل الإسلامي والجماعات الإسلامية الأخرى منتقدة صريحة لرد الحكومة الأردنية على الهجوم الإسرائيلي على غزة.
ونتيجة لذلك، لم يفاجأ الكثيرون بنجاحات جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات، على الرغم من أن البعض أوضحوا أن الإسلاميين أدوا بشكل أفضل من المتوقع.
خطر ضم الضفة الغربية
في ضوء تصاعد الضغوط السياسية والاقتصادية في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أصبحت قدرة الحكومة الأردنية على الحفاظ على الاستقرار موضع اختبار بالفعل. ولكن من المرجح أن يؤدي العام المقبل إلى تفاقم هذه الضغوط بدلاً من تخفيفها.
ويعرب الأردنيون عن قلقهم إزاء احتمال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض والتداعيات التي قد تترتب على ذلك على الأردن والمنطقة.
ويتذكر الأردنيون كيف وضعت إدارة ترمب الأولى مصالحهم ومصالح الفلسطينيين على الهامش لصالح شركائها المفضلين في الرياض وأبو ظبي.
وأشار رامي عياصرة، من الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، إلى أن “القضاء على نفوذ الأردن في المواقع الإسلامية” في القدس المحتلة كان جزءًا من “صفقة القرن” التي أعلنها ترمب.
وهناك مصدر قلق أردني خاص يتمثل في رغبة الاحتلال الإسرائيلي في ضم الضفة الغربية، وهي النتيجة التي تبدو أكثر ترجيحا بعد انتخاب ترامب.
وإن الأردن قد يعتبر تدفق أعداد هائلة من اللاجئين الفلسطينيين أزمة وجودية، سواء أكان ذلك نتيجة لإجبار (إسرائيل) لهم على النزوح دفعة واحدة، أو نتيجة لخروجهم بشكل أبطأ هرباً من العنف اليومي الذي يفرضه الاحتلال.
ولمنع هذا، قد يفكر الأردن حتى في إلغاء الجنسية أو غيرها من الأوضاع التي تسمح للفلسطينيين بعبور الحدود بشكل قانوني.
وعندما سئل وزير الخارجية الأسبق جودة عن احتمال نقل أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى الأردن، أجاب: “هذا خط أحمر بالنسبة لنا، حيث لا يمكن إفراغ الأراضي الفلسطينية المحتلة من محتواها الديمغرافي. لن نقبل أو نسمح بأي إجراء من شأنه أن يمس أمننا الوطني، أو حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال على أرضه الوطنية. ويجب على المجتمع الدولي أن يقف ضد ذلك أيضاً”.
ويعتمد رده، مثل الموقف الرسمي للحكومة الأردنية، على المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، التي أثبتت حتى الآن عجزها عن وقف تصرفات (إسرائيل) في غزة بسبب الغطاء الذي توفره لها الولايات المتحدة، مثل حق النقض في مجلس الأمن.
وخلص المعهد إلى أن زعزعة الاستقرار في الأردن بشكل خطير من شأنها أن تزيد من المخاطر التي تهدد الولايات المتحدة. لقد استثمرت السياسة الأميركية تجاه بلاد الشام منذ إدارة كلينتون في الاستقرار في الأردن واعتمدت عليه.
وإذا أدى ضم الضفة الغربية من قبل (إسرائيل) إلى دفع الأردن إلى حافة الهاوية، إما في شكل أزمة لاجئين ضخمة أو الإطاحة بالهاشميين، فإن الولايات المتحدة ودولة الاحتلال ستخسران حجر الزاوية الذي تعتمدان عليه حاليا.
لقد تعهد ترامب بسحب القوات الأميركية من العراق وسوريا، ولكن إذا كانت الأردن في حالة من الفوضى، فإن هذا الوعد الانتخابي سيكون من المستحيل تقريبا الوفاء به.
وعلى الرغم من أن ترامب تعهد في حملته الانتخابية بإنهاء الحروب إلى الأبد في المنطقة، إلا أنه ما لم يكبح جماح (إسرائيل)، فقد يشرف قريبا على صراع إقليمي أكبر قد يجر الولايات المتحدة، وخاصة إذا قُتل أفراد من الخدمة الأميركية وطالب الجمهور الأميركي بالانتقام.
وعلاوة على ذلك، إذا فشلت الولايات المتحدة في منع (إسرائيل) من ضم الضفة الغربية، وخاصة في حالة احتمال أن يؤدي هذا إلى كسر الوضع الراهن الهش في القدس، فمن المرجح أن يكون رد فعل شركاء أميركا الإقليميين سريعا.
وفي حين رحب الحكام من الرباط إلى القاهرة وأبو ظبي إلى الرياض بفوز ترامب في الانتخابات بسبب استعداده لمكافأتهم في ولايته الأولى، فإنهم سيواجهون ضغوطا محلية كبيرة للرد بشكل حاسم إذا ضمت (إسرائيل) الضفة الغربية.
وكما أظهرت حرب (إسرائيل) على غزة مرة أخرى، تظل قضية فلسطين بارزة بالنسبة للجماهير العربية والإسلامية. يريد ترامب إثبات قدرته على تحقيق التطبيع السعودي مع (إسرائيل) عندما فشل بايدن.
وبدلاً من البناء على صورته كصانع صفقات، قد يرى ترامب أن اتفاقيات إبراهيم تتفكك إذا فشل في منع الاحتلال الإسرائيلي من زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر. وبدلاً من استعادة النظام، قد ينتهي الأمر بترامب إلى تسهيل تورط الولايات المتحدة في حرب أخرى غير ضرورية وغير مجدية في الشرق الأوسط.