صور أقمار اصطناعية تفضح حدة حملة التطهير العرقي في شمال غزة
فضحت صور أقمار اصطناعية حدة حملة التطهير العرقي في شمال قطاع غزة التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي منذ عدة أسابيع بهدف الإخلاء القسري للسكان في إطار حرب الإبادة الجماعية.
وأكدت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تنفذ عمليات هدم جماعية وإقامة تحصينات عسكرية في المناطق السكنية شمال قطاع غزة، حيث أُجبر عشرات الآلاف من الفلسطينيين على الفرار من منازلهم، وفقًا لصور الأقمار الصناعية ومقاطع فيديو مُوثقة ومقابلات.
وأشارت الصحيفة إلى أن قوات الاحتلال بدأت منذ 5 أكتوبر 2024 هجوما جويا وبريا في المناطق الشمالية من غزة – جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون – بزعم مواجهة عناصر المقاومة، وأن العملية ستستمر “طالما كان ذلك ضروريًا”.
وبحسب الأمم المتحدة، فقد تم تهجير أكثر من 100 الف فلسطيني من المناطق المتضررة خلال الأسابيع الإحدى عشرة الماضية.
وتقول مجموعات إنسانية إن المساعدات بالكاد وصلت إلى المنطقة منذ بداية أكتوبر بسبب القيود الإسرائيلية، ويحذر الخبراء من أن المجاعة قد تكون قد بدأت بالفعل في بعض الأماكن.
ومع تفريغ المناطق من الفلسطينيين، قامت القوات الإسرائيلية بهدم أحياء بأكملها، وإنشاء تحصينات عسكرية، وبناء طرق جديدة، وفقًا لتحليل أجرته صحيفة واشنطن بوست لصور الأقمار الصناعية عالية الدقة.
وتُظهر الأدلة البصرية أنه تم هدم أو إزالة ما يقرب من نصف مخيم جباليا للاجئين بين 14 أكتوبر و15 ديسمبر، مما أدى إلى ربط طريق موجود مسبقًا في الغرب بمسار موسع للمركبات في الشرق – مما أدى إلى إنشاء محور عسكري يمتد من البحر إلى السياج الحدودي مع دولة الاحتلال.
وذكر المحللون أن إنشاء هذا الممر، وإخلاء الأراضي على جانبيه، وبناء نقاط محمية مربعة الشكل، يشبه تحويل الجيش الإسرائيلي لممر نتساريم، وهو منطقة عسكرية استراتيجية إسرائيلية وسط غزة.
وبينما قطعت القوات الإسرائيلية ممر نتساريم عبر منطقة قليلة السكان ذات طابع زراعي، فإن العمليات الإسرائيلية في الشمال تتركز في أحياء حضرية مكتظة – مما يؤدي فعليًا إلى تدمير المدن الفلسطينية الشمالية.
إنشاء منطقة عازلة
لم تقدم القوات الإسرائيلية تفسيرًا علنيًا لعمليات الإخلاء والتحصين في الشمال، وأشار المحللون إلى أن المحور الجديد قد يفصل الشمال الأقصى عن مدينة غزة، مما يسمح لإسرائيل بإنشاء منطقة عازلة.
وقد أصدرت قوات الاحتلال أوامر إخلاء مع تقدم الهجوم، مطالبة المدنيين بالنزوح القسري دون أي إشارة إلى موعد – أو إذا ما كان – سيسمح لهم بالعودة.
ووفقًا لأحدث بيانات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، فقد تم تدمير ثلث جميع المباني في محافظة شمال غزة منذ بداية الحرب حتى الأول من ديسمبر، بما في ذلك أكثر من خمسة الاف مبنى في جباليا، وأكثر من ثلاثة الاف مبنى في بيت لاهيا، وأكثر من الفّي مبنى في بيت حانون.
وأظهرت البيانات أن 60% من الدمار في مخيم جباليا للاجئين وقع بين 6 سبتمبر و1 ديسمبر، واستمرت عمليات الهدم والتهجير في الأسابيع التي تلت ذلك.
وتُظهر صورة أقمار صناعية التُقطت في 15 ديسمبر دمارًا واسع النطاق في بيت لاهيا وجباليا، حيث تحولت سوق ومسجد ومحال تجارية ومنازل إلى أكوام من الخرسانة والغبار.
وأجبرت القوات الإسرائيلية 5,500 شخص كانوا يحتمون في مدارس في بيت لاهيا على الفرار جنوبًا إلى مدينة غزة في 4 ديسمبر، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.
وأقر وزير الجيش الإسرائيلي السابق موشيه يعالون في سلسلة من المقابلات مع وسائل إعلام محلية في وقت سابق من هذا الشهر، بأن الجيش الإسرائيلي ينفذ “تطهيرًا عرقيًا” في شمال غزة، وأضاف: “بيت لاهيا لم تعد موجودة، وبيت حانون لم تعد موجودة، والآن يعملون على جباليا”.
وتُظهِر صور الأقمار الصناعية الملتقطة في الرابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول عشرات المركبات العسكرية المتمركزة بالقرب من المستشفى الإندونيسي، أحد المرافق الطبية الرئيسية في المنطقة، على طول الطريق الذي أُمر المدنيون باتباعه، وحول مدرستين قريبتين – من بين المواقع التي قال النازحون إن الجنود فصلوا فيها بشكل منهجي الرجال والفتيان المراهقين عن النساء والأطفال لإجراء الفحص الطبي.
ووصف فلسطينيون المرور أمام كاميرات كانت تفحص وجوههم. ووعدت تحذيرات جيش الاحتلال بالمرور الآمن، لكن السكان قالوا إنه لم يكن هناك ملجأ من الهجمات الإسرائيلية.
يشبه الدمار والتشريد ومنع المساعدات في المنطقة تفاصيل وردت في “خطة الجنرال”، وهي اقتراح حصار قدمه قائد سابق في جيش الاحتلال إلى الحكومة الإسرائيلية، والذي يدعو الجيش إلى السيطرة على الشمال من خلال تجويع السكان المدنيين ومعاملة أي شخص يبقى كمقاتل.
وصرح وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتامار بن جفير لإذاعة الجيش في 2 ديسمبر إنه “يؤيد احتلال الأراضي في غزة” و”تشجيع الهجرة الطوعية” بين الفلسطينيين وإعادة إنشاء المستوطنات الإسرائيلية: “أفكر بجدية في نقل عائلتي إلى قطاع غزة”.
ولم يصدر عن جيش الاحتلال أي تصريحات علنية بشأن خططه لإخلاء أجزاء من شمال غزة، لكن صور الأقمار الصناعية تظهر أنه يعيد تشكيل جغرافية منطقة الحدود بشكل كبير من خلال عمليات الهدم والتحصينات – بما يتفق مع التكتيكات التي استخدمها لإنشاء مناطق عازلة عسكرية في أجزاء أخرى من القطاع، بما في ذلك ممر نتساريم المركزي وممر فيلادلفيا على طول الحدود مع مصر.
وأظهرت بيانات مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة في الأول من ديسمبر أن 5340 مبنى دمر في مختلف أنحاء جباليا منذ بداية الحرب، مع تركيز 40 في المائة من الدمار في مخيم اللاجئين بالمدينة. كما دمر أكثر من 3600 مبنى في بيت لاهيا.
وتظهر البيانات أن وتيرة الدمار كانت في أعلى مستوياتها خلال الهجوم الإسرائيلي الجديد، وتُظهِر صور الأقمار الصناعية من 11 أكتوبر فصاعدًا أن مساحات كبيرة من نفس هذه المناطق تم بناؤها الآن بتحصينات عسكرية، بما في ذلك شبكة من السواتر الواقية المرتفعة المصنوعة من التربة المقلوبة.
وبحلول نهاية أكتوبر، كانت توفر غطاءً لنحو 150 مركبة عسكرية تطوق جباليا. وقال ويليام جودهايند، المحلل في Contested Ground، وهو مشروع بحثي مستقل يتتبع التحركات العسكرية من خلال صور الأقمار الصناعية في مناطق الصراع في جميع أنحاء العالم، إن هذه السواتر تسمح للقوات الإسرائيلية “بالتنقل عبر طرق الإمداد الرئيسية مع تحسن الأمن وبالتالي حرية أكبر”.
وتركزت عمليات إزالة الحواجز والهدم الجديدة خلال الشهرين الماضيين في جنوب جباليا، مما أدى إلى تدمير ما يقرب من نصف المخيم، بما في ذلك منطقة السوق الرئيسية، التي دمرت بشكل واضح بين 24 أكتوبر و12 نوفمبر.
وفي أحدث صور الأقمار الصناعية من 15 ديسمبر، يمكن رؤية مسار جديد للمركبات يتعرج عبر أنقاض المخيم، ويربط شارع البحر، الذي يمتد غربًا إلى البحر، بطريق تم توسيعه وتحصينه مؤخرًا من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي – يمتد شرقًا إلى الحدود الإسرائيلية.
وبحسب أحدث صور الأقمار الصناعية فإن حملة الهدم الإسرائيلية مستمرة في التوسع وكانت الزيادة الهائلة في الدمار مرئية في بيت لاهيا بين 12 نوفمبر و15 ديسمبر، وقد سويت أجزاء من المقبرة الرئيسية في المدينة بالأرض بواسطة المركبات العسكرية.