تحليلات واراء

مشاركة صارخة من السلطة الفلسطينية في حصار غزة ماليا

تشارك السلطة الفلسطينية بشكل صارخ في حصار غزة ماليا في خضم حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ أكثر من عام ونصف وما خلفته من أزمة إنسانية مكتملة الأركان.

فعلى على مدار أشهر حرب الإبادة، امتنعت سلطة النقد التابعة للسلطة الفلسطينية عن أرسال أي سيولة نقدية إلى قطاع بزعم عدم توفر بيئة آمنة واحتمال تعرض فروع البنوك في القطاع للسرقة.

وهذا القرار لم يكن إلا جزءًا من سياسة أوسع يرى فيها مراقبون تواطؤًا واضحًا مع الاحتلال في خنق سكان القطاع، سياسيًا واقتصاديًا.

غير أن هذا المبرر الذي تسوقه السلطة يتعارض بشكل صارخ مع الواقع الأمني السائد في الضفة الغربية المحتلة والتي تشهد عملية سطو على فروع البنوك بمعدل شهري تقريبا.

وبينما تُمنع غزة من استلام الأموال بحجة “غياب الأمن”، تشهد مدن الضفة الغربية، الخاضعة لسيطرة السلطة وأجهزتها الأمنية، حالة من الانفلات الخطير.

وسجل العام 2024 وحده أكثر من 16 عملية سطو مسلح على البنوك في الضفة، بمعدل عملية كل شهر ونصف تقريبًا. فأين هو الأمن الذي تتذرع به السلطة؟ وأين “الاستقرار” الذي يُحرَم الفلسطينيون في غزة من أبسط حقوقهم المالية باسمه؟.
أزمة سيولة خانقة في غزة

يعاني قطاع غزة من أزمة سيولة خانقة في وقت تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي منع إمدادات السلع الإنسانية إلى القطاع بعد تشديد حصاره كنوع من العقاب الجماعي على أكثر من 2 مليون مواطن فلسطيني.

وبحسب خبراء نقص السيولة في قطاع غزة إلى اقتصاد نقدي هش بفعل التدمير الإسرائيلي الواسع لكافة مقومات الحياة.
وأصبح اعتماد سكان قطاع غزة على المساعدات كمصدر دخل كبيراً في وقت تدرس دولة الاحتلال فرض رقابة إضافية حتى على السلع المسموح بها إذا كانت ذات قيمة اقتصادية.

ويفاقم النقص النقدي معاناة المدنيين في غزة، حيث تُستخدم العملة الإسرائيلية كعملة رسمية، ويحتاج النازحون إلى المال لشراء الطعام والمأوى والدواء في قطاع مدمر.

وكان البنك المركزي الإسرائيلي يرسل بانتظام أوراقاً نقدية من الشيكل إلى غزة قبل الحرب، لكن القطاع لم يتلقَ أي دفعة جديدة منذ اندلاع القتال قبل 18 شهراً.

كما تم تدمير أو تعطيل العديد من فروع البنوك الـ56 وأجهزة الصراف الآلي الـ91 في غزة خلال الحرب.

وقدمت منظمات الإغاثة عشرات الملايين من الدولارات كمساعدات نقدية للفلسطينيين منذ بداية الحرب، وتم توزيعها عبر تطبيقات دفع إلكتروني شائعة، بحسب المسؤولين.

ويتلقى سكان غزة أيضاً حوالات مالية من أقاربهم في الخارج، لكن لتحويلها إلى نقد، عليهم دفع عمولات تتجاوز 20% لصرافي الأموال، بحسب مسؤول مالي فلسطيني رفيع.

ولا أحد يعرف بالضبط كمية النقد المتبقية في غزة، لكن محللين مثل إيال أوفر يقدّرون وجود حوالي 3 مليارات دولار من الأوراق النقدية المتداولة.

وأصبحت الأزمة النقدية حادة لدرجة أنها أدت إلى ظهور ورشات لإصلاح الأموال، حيث يقوم الفلسطينيون بغسل الأوراق النقدية وترقيعها بشريط لاصق لإعادة استخدامها في السوق.

تحذيرات حقوقية

أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء تفاقم أزمة السيولة النقدية في قطاع غزة كنتيجة مباشرة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، التي تستهدف تفكيك مقومات الحياة للسكان المدنيين، وعلى رأسها البنية المصرفية، من خلال التدمير المتعمد والحصار الشامل.

وحذّر المرصد الأورومتوسطي من أنّ هذه الممارسات تفرض عمدًا ظروفًا معيشية قسرية تؤدي إلى تدمير بطيء ومنهجي للسكان، وتشكل فعلًا من أفعال الإبادة الجماعية المحظورة بموجب القانون الدولي، وانتهاكًا سافرًا للقانون الدولي الإنساني، ومساسًا مباشرًا بالحقوق الأساسية للفلسطينيين.

وقال المرصد إن دولة الاحتلال منذ شروعها في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، تمنع البنوك والمؤسسات المصرفية من إدخال أي كمية أو نوع من السيولة النقدية إلى القطاع، بالتزامن مع استهداف مباشر لمقارّ تلك البنوك وأجهزة الصرّاف الآلي وتدميرها.

وهو ما أجبر الغالبية الساحقة من البنوك المحلية على الإغلاق الكامل أمام السكان، وأفرز أزمة إنسانية واقتصادية خانقة تتصاعد حدّتها يومًا بعد يوم، في سياق منهجي للقضاء على أي قدرة للبقاء في قطاع غزة.

وذكر المرصد الأورومتوسطي أنّ العواقب الناجمة عن الشحّ الحاد في السيولة النقدية تجاوزت حدود الاحتمال بعد أكثر من 18 شهرًا على بدء جريمة الإبادة الجماعية.

إذ اضطر السكان، في ظل شلل شبه كامل في الخدمات المصرفية بما يشمل السحب والإيداع، إلى اللجوء إلى السوق السوداء للحصول على النقد، مقابل عمولات مرتفعة تستنزف ما تبقى من قدراتهم المعيشية.

وأوضح الأورومتوسطي أنّ هذه الظروف فاقمت الأعباء المالية والاقتصادية والنفسية، لا سيما على الفئات الأكثر هشاشة، وفي مقدمتها الأسر الفقيرة، التي باتت تُشكّل الغالبية الساحقة من السكان، نتيجة فقدان مصادر الرزق وتدميرها المتعمد ضمن سياسة إسرائيل المنهجية للتجويع والإفقار.

وبيّن أنّ الموظفين، وأصحاب الأعمال، وحتى الأسر التي تعتمد على التحويلات المالية من الخارج، لم تعد تجد وسيلة للحصول على النقد سوى عبر قنوات غير رسمية يديرها عدد من التجار وأصحاب محالّ الصرافة ممّن يحتكرون السيولة النقدية ويستغلون حاجة السكان باقتطاع نسب تصل إلى 35% من قيمة المبلغ.

كما أنّ الغالبية الساحقة من سكان قطاع غزة فقدوا مصادر أرزاقهم بفعل جرائم القتل والإصابة التي طالت معيلي العائلات، وجرائم التدمير الشامل الإسرائيلية ضمن جريمة الإبادة الجماعية، فيما يُحرم من تبقى منهم ممن يتقاضون رواتب من الوصول إليها نقدًا، ما فاقم من حدة الأزمة الإنسانية.

إذ يعجز السكان عن تأمين احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك الغذاء، والدواء، وتسديد الإيجارات، وتحمّل تكاليف النزوح والتنقّل الناتجة عن عمليات التهجير القسري.

ونوّه الأورومتوسطي إلى أنّ الأزمة تتصاعد يومًا بعد يوم في ظل الارتفاع الحاد في الأسعار، نتيجة النقص الكبير في المواد الأساسية بفعل الحصار الإسرائيلي غير القانوني وهو ما يشكّل أداة مركزية في سياسات التجويع والإهلاك الجماعي للسكان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى