قال الكاتب والباحث في العلوم السياسية، عمار علي حسن، إن اعتقال الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية لمراسل قناة “الجزيرة” محمد الأطرش، وإحالته إلى محكمة الخليل، لا يمكن فصله عن السياق السياسي الذي تتحرك فيه هذه السلطة.
وأوضح أن هذا السياق يتراوح بين التعاون الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولات كسب الوقت في مواجهة حكومة إسرائيلية يمينية تسعى إلى التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وتهجير سكانها قسريًا.
ممارسات السلطة
وتابع حسن أن السلطة الفلسطينية تتبع أساليب متعددة لمجاراة حكومة بنيامين نتنياهو، ومنها اعتقال النشطاء والمقاومين في مدن وبلدات الضفة الغربية، وإغلاق الطرق المؤدية إلى المخيمات الفلسطينية المقاومة، بالإضافة إلى تشويه صورة المقاومة، ووصفها بالأعمال الطائشة، في إطار تداعيات الانقسام الفلسطيني الذي تعمّق منذ عام 2005.
وأضاف أن هذه السياسات تصاعدت في الآونة الأخيرة، خاصة مع قرار السلطة بوقف بث قناة الجزيرة في بداية يناير/كانون الثاني الجاري، واتهامها بـ”التحريض على التمرّد”، وهو ما أثار موجة من الانتقادات من قوى المقاومة الفلسطينية، ونشطاء سياسيين، ومثقفين معارضين لقيادة محمود عباس.
السلطة تبرر سياساتها
وأشار حسن إلى عدة عوامل يمكن أن تفسر موقف السلطة الفلسطينية الراهن ومنها التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي بدافع المصالح الاقتصادية.
وقال إن السلطة الفلسطينية أصبحت تدريجيًا جزءًا من “تقاسم الوظائف” مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث تستفيد من شبكات المصالح الاقتصادية، كتجارة السلع وتلقي الإعانات الخارجية التي تتيح لها دفع رواتب الموظفين ورجال الأمن.
وأضاف حسن أن السلطة ربما ترى أن خلل ميزان القوى بين الفلسطينيين وإسرائيل يبرر لها هذا النهج، خاصة أن بعض سكان الضفة الغربية يخشون الدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل قد تؤدي إلى مزيد من المعاناة، على غرار ما يحدث في قطاع غزة.
وأوضح الباحث أن السلطة الفلسطينية تنظر بعين الشك إلى حركات المقاومة في الضفة الغربية، معتبرة أنها مرتبطة بحركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين تتبنيان الكفاح المسلح كخيار لاستعادة الحقوق الفلسطينية، وهو ما يهدد نفوذ السلطة في الضفة.
وأشار إلى أن السلطة ترى نفسها ملتزمة باتفاقيات أوسلو التي وُقعت برعاية دولية، وهو ما يجعلها مسؤولة عن تمثيل الفلسطينيين أمام المجتمع الدولي، رغم ما تتعرض له هذه الاتفاقيات من تفريغ وتجاهل مستمر من الجانب الإسرائيلي.
وأكد أن السلطة الفلسطينية تفتقر إلى طموح سياسي يؤهلها لمواجهة إسرائيل، حيث تسعى لتجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى غضب الاحتلال، خاصة في ظل شيخوخة قيادتها وغياب الرؤية الاستراتيجية.
تعزيز الاحتلال
وقال حسن إن هذه السياسات القاصرة لم تمنع الاحتلال من مواصلة اعتداءاته في الضفة الغربية، حيث تستمر إسرائيل في تنفيذ عمليات القتل والاعتقال وهدم المنازل وتجريف الأراضي الزراعية، حتى داخل مناطق تخضع للسلطة الفلسطينية، مثل رام الله.
وتابع أن التصرفات الأمنية الأخيرة للسلطة، التي شملت اعتقال نشطاء وصحفيين، تأتي في وقت تستعد فيه إسرائيل لتوسيع نطاق عملياتها العسكرية في جنين ومخيمها، وسط تصاعد الاشتباكات بين الأمن الفلسطيني والمسلحين هناك.
صوت الإعلام
واختتم حسن بالقول إن محاولات السلطة لكتم الصوت الإعلامي الفلسطيني، مثل قرار وقف بث قناة الجزيرة، تأتي في وقت يحتاج فيه الشعب الفلسطيني إلى إيصال معاناته للعالم.
وأكد أن نتنياهو يسعى لتوسيع نطاق القتال في الضفة الغربية، ما يجعل الممارسات الفلسطينية المتماهية مع الاحتلال خطأ فادحًا في حق القضية الفلسطينية.