خيانة لمبدأ المقاومة: عباس وتمهيد نزع سلاح الفصائل في لبنان

في خطوة تثير الاستهجان والغضب في صفوف فصائل المقاومة الفلسطينية وجماهير الشعب الفلسطيني، من المقرر أن يزور الرئيس محمود عباس لبنان في 19 مايو/أيار 2025، بهدف إعلان ما وصفه مراقبون بـ”حملة نزع سلاح فصائل المقاومة الفلسطينية في المخيمات”، ولو بالقوة إن لزم الأمر.
وهذه الخطوة لا يمكن تفسيرها سوى كمحاولة مكشوفة لتصفية ما تبقى من روح المقاومة، في وقتٍ تعيش فيه القضية الفلسطينية لحظة فارقة بين الصمود أو الذوبان في مستنقع التسويات العقيمة.
لطالما مثّل السلاح الفلسطيني، خصوصاً في المخيمات اللبنانية، أحد أدوات الردع المعنوي والسياسي في مواجهة العدوان الصهيوني، وإن تراجع دوره العسكري المباشر خلال السنوات الأخيرة.
إلا أن عباس، المُمسك بمقاليد السلطة في رام الله منذ نحو عقدين، لا يكلّ عن استهداف هذا الرصيد الرمزي والعسكري للمقاومة، مُفضّلاً منطق “التنسيق الأمني” مع الاحتلال، على مبدأ الكفاح المشروع الذي كفلته كافة المواثيق الدولية لشعبٍ يرزح تحت احتلال استيطاني عنصري.
تطويع الشتات الفلسطيني
زيارة عباس إلى لبنان ليست فقط محاولة للهيمنة على القرار السياسي في الشتات الفلسطيني، بل هي أيضاً رسالة واضحة مفادها أن المرحلة المقبلة تتطلب “إنهاء المقاومة” كأداة كفاحية.
ففي الوقت الذي تستمر فيه آلة الاحتلال بقضم الضفة الغربية، وتقويض ما تبقى من أي حل سياسي، يسعى عباس إلى تجريد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من سلاحهم، في خطوة يعتبرها كثيرون خضوعاً للإملاءات الدولية والعربية التي تسعى لإقفال ملف اللاجئين ضمن مسارات تطبيعية أوسع.
كيف يمكن لرئيس “سلطة حكم ذاتي” أن يتعهد بنزع سلاح لا يسيطر عليه أصلاً؟ وكيف يُبرر تهديده باستخدام القوة ضد أبناء شعبه، بينما لا يجرؤ على محاسبة الاحتلال عن اغتيال المئات في الضفة والقطاع؟ هذا الانفصام السياسي والأخلاقي يُجسّد أزمة القيادة الفلسطينية الحالية، التي تحولت من ممثل وطني إلى أداة ضبط داخلية ضد الشعب الفلسطيني نفسه.
المقاومة حق لا تنازل عنه
من حيث المبدأ، فإن حق الشعوب في مقاومة الاحتلال هو حق ثابت وراسخ في القانون الدولي، أقرّته اتفاقيات جنيف، وميثاق الأمم المتحدة، وقرارات الجمعية العامة. بل إن التاريخ يُخبرنا أن معظم شعوب العالم نالت حريتها عبر مقاومة مسلحة، لا عبر التفاوض وحده.
ورغم ذلك، يُمعن محمود عباس في محاربة هذا الحق، لا فقط عبر التصريحات، بل عبر السياسات الميدانية والأمنية، وحتى الخطاب الرسمي، الذي بات يساوي بين الضحية والجلاد تحت عنوان “نبذ العنف”.
لا شرعية لمن يتنازل عن الثوابت
خطوة نزع سلاح المخيمات، إن نُفّذت، ستُعدّ انتكاسة تاريخية كبرى، وستزيد من عزلة عباس شعبياً وسياسياً. فالشارع الفلسطيني، سواء في الداخل أو الشتات، لم يعد يرى في هذه القيادة تمثيلاً حقيقياً لتطلعاته. فالمقاومة بالنسبة لهذا الشعب، ليست خياراً طارئاً بل جوهريًا، مرتبطاً بكرامته وحقه في العودة والتحرر.
إن المضي في هذا المسار سيُفضي إلى شق الصف الفلسطيني، ويُسهل تمرير مخططات تصفية القضية، تحت مسميات زائفة كـ”الشرعية الدولية” و”حل الدولتين”، بينما الوقائع على الأرض تقول إن الدولة تتآكل والمقاومة تُجتث، والمحتل وحده من يربح في النهاية.