جسور نيوز: أداة إعلامية لتحريض ممنهج ضد غزة ومقاومتها

في ذروة العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، برزت أصوات إعلامية عربية، لا تكتفي بالصمت أو التواطؤ، بل تشارك بنشاط في حملة التحريض والتشويه ضد غزة ومقاومتها وذلك انتصارا لنهج التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والتخاذل في دعم القضية الفلسطينية.
ومن بين أبرز هذه المنصات: جسور نيوز، التي تُدار وتمول من الإمارات. اتخذت المنصة، التي تُقدّم نفسها كوسيلة إعلامية موجهة للشأن الفلسطيني، مسارًا واضحًا منذ انطلاقتها، يتمثل في شيطنة فصائل المقاومة وتقديم سرديات منحازة ومفبركة تسعى إلى النيل من صمود الغزيين وتشويه تضحياتهم.
وقد تجاوزت منصة جسور نيوز الدور الصحفي المهني وتحولت إلى أداة دعائية هجومية، تسعى إلى تفكيك البيئة الشعبية الحاضنة للمقاومة من خلال بث مقابلات ممنتجة ومجتزأة، يظهر فيها فلسطينيون من غزة يهاجمون فصائل المقاومة أو يعبّرون عن الغضب من واقع الحرب.
وأخطر ما في الأمر، أن هذه المقاطع تُفبرك أو تُجتزأ بوعي شديد لخدمة السردية التي ترغب الجهة الممولة للمنصة في ترويجها.
مثال صارخ على ذلك هو سلسلة المقابلات التي نشرتها تحت عنوان: “لعنة الطوفان.. أكتوبر الأسود غيّر حياتي للأبد”.
هذا العنوان في حد ذاته محمّل بدلالات سياسية وتحريضية، إذ يحوّل عملية طوفان الأقصى – التي اعتبرها كثير من الفلسطينيين لحظة كسر للحصار وشهادة على وحشية الاحتلال – إلى “لعنة”، ويتعامل مع ردّ الاحتلال الوحشي كأنه النتيجة الطبيعية والخالصة لقرار المقاومة.
ولا يُستبعد أن تكون المقاطع المصوّرة قد صيغت بأسئلة توجيهية، أو رُكّبت بحيث تُظهر الضحية في موقع الناقم على المقاوم.
وتكشف هذه الممارسات عن مستوى خطير من الاستغلال الإعلامي لمعاناة المدنيين في غزة، إذ تُوظف مشاعر الألم والفقد لصالح أجندات إقليمية معادية للمقاومة، تتقاطع موضوعيًا مع أهداف الاحتلال الإسرائيلي.
فبدلًا من أن تسلّط المنصة الضوء على جرائم الحرب الإسرائيلية، أو تُنقل الحقيقة من الميدان بموضوعية، تنشغل بإعادة إنتاج الرواية الصهيونية بأدوات عربية ووجوه فلسطينية.
ولا يخفى على المتابع أن هذا النهج الإعلامي ليس معزولًا عن التحولات السياسية في المنطقة، حيث تسعى بعض الأنظمة إلى تصفية القضية الفلسطينية من بوابة تجريم المقاومة، وتصويرها كمصدر خراب لا كحركة تحرر وطني.
ويأتي الإعلام في هذا السياق كأداة ناعمة، لتفكيك الرواية الفلسطينية من الداخل عبر تشويه الوعي الجمعي وإضعاف الموقف الأخلاقي للمقاومة.
في ظل هذا الواقع، تُطرح أسئلة حيوية حول المسؤولية المهنية والأخلاقية للمنصات الإعلامية، خاصة تلك التي تتحدث باسم الفلسطينيين بينما تُنكر روايتهم وتُحرف صوتهم.
وتتحمّل الجهات الصحفية والمجتمع المدني الفلسطيني، بل والعربي، مسؤولية التصدي لهذا التحريض الإعلامي المُمنهج، وفضح الجهات التي تقف وراءه.
فالمعركة في فلسطين لم تكن يومًا عسكرية فقط، بل هي أيضًا معركة سردية، يُراد فيها أن تختفي صور الشهداء والمقاومين تحت ركام الدعاية السوداء. وجسور نيوز، بكل أسف، ليست سوى جسرٍ يُبنى لعبور هذا النوع من السرديات المسمومة.