عباس والسلطة الفلسطينية بلا دعم شعبي… والجمهور يطالب بالتغيير

أظهرت نتائج أحدث استطلاع للرأي العام الفلسطيني، الذي يغطي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025، استمرار الانهيار في شعبية الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية، مع تزايد المطالب الشعبية بتنحي الرئيس وتغيير القيادة، في ظل فقدان الثقة العامة بقدرة السلطة على تمثيل الفلسطينيين أو قيادة المرحلة القادمة بعد الحرب على قطاع غزة.
وأفاد الاستطلاع الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ومقره رام الله، بأن 81% من الفلسطينيين يريدون استقالة الرئيس محمود عباس، مقابل 18% فقط يؤيدون بقاءه في منصبه، ما يعكس تراجعاً ثابتا في مكانته السياسية.
والمفارقة اللافتة أن نسبة المطالبين برحيله في الضفة الغربية، معقله السياسي، بلغت 85%، وهي أعلى من نظيرتها في قطاع غزة (74%)، ما يدل على فقدانه الدعم حتى بين قاعدة حركة فتح التقليدية.
وفي مؤشر آخر على تآكل شرعيته، لا تتجاوز نسبة الرضا عن أداء عباس 19%، وهي نسبة ضئيلة تضعه في مرتبة متأخرة جداً مقارنة بقيادات أخرى. في الضفة الغربية، لا يتعدى الرضا عنه 13%، ما يُظهر عمق الهوة بين السلطة وسكان المناطق التي من المفترض أنها تحت إدارتها المباشرة.
السلطة الفلسطينية: عبء لا إنجاز
أغلبية كبيرة من الفلسطينيين، بلغت 60%، عبّرت عن اعتقادها بأن السلطة الفلسطينية قد أصبحت عبئاً على الشعب الفلسطيني، مقارنة بـ 35% فقط يرونها “إنجازاً”.
وتعزز هذه الأرقام القناعة بأن مشروع السلطة يفقد شرعيته في الشارع، خصوصاً في ظل غياب إنجازات ملموسة، وفشل متكرر في ملفات كبرى كالوحدة الوطنية، الانتخابات، وإنهاء الانقسام.
ويبدو أن هذه النظرة السلبية لم تتغير منذ استطلاعات سابقة، ما يشير إلى فقدان الثقة المتراكم، خاصة مع استمرار الأزمات السياسية، وتفاقم الأوضاع المعيشية في الضفة الغربية، التي تُعاني من انسداد سياسي وتراجع اقتصادي وأمني.
ضعف التأييد في غزة والضفة على حد سواء
في قطاع غزة، الذي شهد دماراً واسعاً خلال الحرب الأخيرة، تبدو المفارقة أكثر حدة، إذ عبّر 29% فقط من سكانه عن رضاهم عن الرئيس عباس، رغم الظروف الكارثية التي قد تدفع السكان للبحث عن قيادة بديلة. أما في الضفة الغربية، فرضا الجمهور عن الرئيس لم يتجاوز 13%، ما يعكس اتساع رقعة الرفض لقيادته.
وعلى صعيد الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة محمد مصطفى، التي شكلها الرئيس عباس في مارس/آذار الماضي، عبّرت نسبة 69% من الفلسطينيين عن اعتقادهم بأنها لن تنجح في إجراء إصلاحات تذكر، مما يُضعف من فرص استعادة ثقة الجمهور، حتى بعد تغيير الوجوه في الحكومة.
فشل السلطة في غزة: لا تأييد لعودتها
رغم أن البعض يراهن على إمكانية عودة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، فإن نتائج الاستطلاع أظهرت رفض 56% من الفلسطينيين لهذه الفكرة، بينما أيدها فقط 40%، أغلبهم في قطاع غزة (46%)، ما يعكس تراجعًا كبيرًا في التأييد لأي دور مستقبلي للسلطة هناك، رغم الدمار والفراغ الإداري المحتمل.
كما رفضت أغلبية واسعة من الفلسطينيين (65%) مقترحًا لنشر قوات أمن عربية تساند السلطة في غزة، ما يُعبّر عن غياب ثقة كامل في قدرة السلطة على لعب دور فاعل أو مقبول شعبيًا، حتى في ظروف ما بعد الحرب.
خسارة مذلة متوقعة لقيادة السلطة
أما في سيناريوهات الانتخابات الرئاسية، فقد حصل الرئيس عباس على 11% فقط من الأصوات إذا ما تنافس مع مروان البرغوثي وخالد مشعل، ما يضعه في المرتبة الأخيرة، بفارق كبير عن البرغوثي الذي نال 50% ومشعل 35%. وفي سيناريو ثنائي أمام مشعل فقط، يخسر عباس بفارق ساحق: 68% لمشعل مقابل 25% له.
هذه النتائج، التي تتكرر منذ سنوات، تشير بوضوح إلى أن الرئيس عباس لا يتمتع بأي قاعدة جماهيرية قادرة على تأمين فوزه في انتخابات حرة، وهو ما قد يفسر إحجام السلطة المتكرر عن الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية أو تشريعية.
لا قيادة مقبولة: حماس أقرب من فتح
في سؤال مفتوح حول الجهة الأحق بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني اليوم، اختار 40% حماس، مقابل 19% فقط قالوا إنها فتح بقيادة عباس. واعتبر 35% من المستطلعين أن “كلا الحركتين غير مؤهلتين”، في إشارة إلى أزمة قيادة شاملة تعصف بالمشهد الفلسطيني.
في ظل هذا التراجع الحاد لشعبية الرئيس عباس، والانقسام السياسي المستمر، وتعطيل العملية الديمقراطية، يبدو أن الشارع الفلسطيني أمام مفترق طرق، يُطالب فيه بتجديد القيادة والبحث عن خيارات جديدة تمثله بفعالية في مرحلة ما بعد الحرب.