تحليلات واراء

عباس يرهن شرعية النظام السياسي الفلسطيني بالتدخلات الإقليمية

في خضم التحولات الكبرى التي يشهدها الإقليم والنظام الدولي، جاءت دورة المجلس المركزي الفلسطيني الأخيرة، المنعقدة في 25 إبريل/نيسان، لتؤكد توجهاً حاسماً نحو إعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني بناء على رغبة التدخلات القوى الإقليمية وليس على معايير الشرعية الشعبية أو المصلحة الوطنية.

وبحسب مراقبين لم تكن خطوات عباس إعلاناً عن نظام سياسي جديد منفصل عن الواقع الفلسطيني فحسب، بل كان تتويجاً لمسار متدرج من الإجراءات، بدأت بإصدار “الإعلان الدستوري” وقرارات مرتبطة بالأسرى ومناهج التعليم، وانتهت بتكريس تصوّر سلطوي للنظام السياسي الفلسطيني.

الملمح الأبرز لهذا النظام ليس فقط ما يتضمنه من دمج بين النظامين النافذين (منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية)، ولا حتى نقل الثقل السياسي من الشتات إلى الداخل الفلسطيني، بل في تقديمه الشرعية الدولية والإقليمية على الشرعية الوطنية الممثّلة بصناديق الاقتراع. بعبارة أخرى، بات الاعتراف الخارجي مرجعية الشرعية، وليس الإرادة الشعبية.

مصير الاستقلال السياسي الفلسطيني

هذه المقاربة تطرح إشكالية مركزية: إذا كانت شرعية النظام السياسي الفلسطيني الجديد تستند إلى رضا الفاعلين الإقليميين والدوليين، فما مصير الاستقلال السياسي الفلسطيني؟ وما تبعات ذلك على استقرار الداخل؟.

ثم ما مدى قدرة هذا النظام على مواجهة الإبادة والتهجير والتطهير العرقي التي تمارسها إسرائيل بلا هوادة منذ ما يزيد على عام ونصف؟

في هذا السياق، يمكن قراءة المشروع السياسي للرئيس عباس بوصفه رهناً لشرعية النظام السياسي الفلسطيني بإرادة الأطراف الإقليمية والدولية، لا بإرادة الشعب الفلسطيني ذاته.

وهذا التوجّه يُعيد طرح أسئلة قديمة-جديدة عن طبيعة السلطة الفلسطينية، وحدود تمثيلها، وأولوياتها، بل وموقعها من مشروع التحرّر الوطني.

يتحوّل المشهد إلى ما يشبه إعادة هندسة للكيان السياسي الفلسطيني، ولكن من أعلى، دون توافق وطني أو إجماع شعبي، ودون توازن دقيق بين الداخل والخارج. فهل أحسن عباس وفريقه قراءة المشهد الجيوسياسي؟ وهل كانت هناك “هندسة سياسية” دقيقة أم مجرّد استجابة لإملاءات الخارج تحت غطاء الضرورات؟

الإجابة ليست واضحة. ما هو واضح أن هذه الإجراءات تمّت في لحظة جيوسياسية ضاغطة، لا تشهد فقط تحولات في النظام الدولي بل أيضاً حرب إبادة صريحة في غزة والضفة الغربية.

وفي مثل هذه اللحظات، لا يكفي الحديث عن ضرورات جيوسياسية لتبرير تغييرات جذرية، بل ينبغي أن تُقاس النتائج بمقدار ما تحقق من الأهداف الوطنية.

شلل وعجز فلسطيني

في العمق، لا يمكن تجاهل أن هناك ثلاثة أنظمة سياسية فلسطينية قائمة على الأرض اليوم: منظمة التحرير الفلسطينية، السلطة الفلسطينية، والدولة الفلسطينية الموعودة.

لكل من هذه الكيانات مرجعية دستورية خاصة، لكنها لا تعمل بانسجام. فراغ منصب الرئيس مثلاً، في حال غيابه المفاجئ، يهدد بفراغ دستوري مزدوج، لا سيما في ظل غياب مجلس تشريعي منتخب.

صحيح أن المجلس المركزي حاول معالجة هذا الإشكال عبر “الإعلان الدستوري” واستحداث مناصب جديدة (نائب رئيس للمنظمة والدولة)، إلا أن هذه المعالجات جاءت إدارية الشكل، لا سياسية الجوهر، وتفتقر إلى الشرعية الشعبية اللازمة لترسيخ نظام سياسي مستقر ومقبول وطنياً.

الأخطر من ذلك، أن التحولات الجارية في النظام السياسي الفلسطيني تجري بمعزل عن فلسطينيي الشتات، الذين لطالما مثّلوا العمق الاستراتيجي للمنظمة، وبمعزل عن قوى المعارضة السياسية داخل فلسطين، ما ينذر بمزيد من التصدّع في النسيج الوطني.

وعليه، فإن رهن الشرعية الفلسطينية بالتدخلات الإقليمية والدولية لا يشكّل فقط خطراً على المشروع الوطني، بل يهدد أيضاً وحدة الكيان الفلسطيني ومستقبله السياسي.

فبدلاً من أن يكون النظام الجديد رافعة لتجديد الشرعية وتوحيد الصفوف، قد يتحوّل إلى مصدر جديد للانقسام وفقدان الثقة بين مكوّنات الشعب الفلسطيني.

وفي لحظة كهذه، حيث يتعرّض الفلسطينيون لأكبر مشروع تهجير وإبادة منذ النكبة، يصبح من الواجب أن تُعاد صياغة النظام السياسي من الداخل، على قاعدة تمثيل حقيقي، وشراكة وطنية، تستند إلى صناديق الاقتراع لا إلى تحالفات مشروطة مع الخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى