معالجات اخبارية

عباس ينقلب على أحد أبرز مرتكزات النضال الوطني الفلسطيني

بإصدار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرسوما يلغي قانونا بشأن تقديم المخصصات لعائلات الأسرى والشهداء فإنه انقلب على أحد أبرز مرتكزات النضال الوطني الفلسطيني في محاولة مكشوفة لاسترضاء الإدارة الأميركية، التي طالبت على مر السنين بإلغاء التشريع.

وينص القرار الذي أوردته وكالة الأنباء الرسمية “وفا”، على نقل المخصصات من سيطرة وزارة التنمية الاجتماعية إلى مؤسسة التمكين الاقتصادي الوطني الفلسطينية المستقلة.

وانتقد العديد من المسؤولين والمحللين الفلسطينيين هذا القرار، واعتبروه خطوة لكسب ود إدارة ترامب، التي وقعت في عام 2018 على قانون تايلور فورس، مما أوقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية.

وبعد ساعات من الإعلان، حث رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية قدورة فارس، عباس على إعادة النظر في قراره والاستماع إلى الأغلبية الساحقة من المجتمع الفلسطيني التي ترفض ذلك.

وقال مسؤول أمني فلسطيني كبيرإن الخطوة التي اتخذها عباس تعتبر إهانة للنضال الفلسطيني.

وأوضح المصدر أن “عباس من خلال تحويل المدفوعات من أمر يندرج تحت مظلة النضال والمقاومة الفلسطينية إلى قضية رعاية اجتماعية، يحاول إظهار حسن النية تجاه الإدارة الأميركية وترامب الذي سيتخذ هذا القرار مجانا – تماما كما كان يتخذ قرارات كبيرة ويأخذ أشياء ليست من حقه”، في إشارة إلى تصريحات ترامب الأخيرة بشأن ” شراء غزة “.

وقال المحلل القانوني الفلسطيني أحمد بسيوني إن القضية أكثر تعقيدا مما قد يبدو. وأضاف: “بموجب القانون الجديد، يذهب الراتب إلى أسرة الشهيد أو الأسير وفقا للأنظمة – أي أنهم سيظلون يتلقون المخصصات ولكن بقيمة أقل وبدلا من أن تكون باسم الشخص الذي استشهد أو جرح أو أسير، فإنها ستكون باسم الأسرة في إطار فئات المجتمع المهمشة”.

قانون رواتب الأسرى وتطوراته

تعود جذور صرف رواتب الأسرى الفلسطينيين وعائلات الشهداء إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي. كان هذا الدعم جزءًا من التزام المنظمة بتقديم الرعاية والدعم المعنوي والمادي لأسر الأسرى والشهداء، تقديرًا لتضحياتهم في النضال الوطني الفلسطيني.

ومع تأسيس السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو، انتقلت مسؤولية صرف هذه الرواتب من منظمة التحرير إلى السلطة.

وقد أُنشئت وزارة شؤون الأسرى والمحررين التي تولت تنظيم عملية الصرف بشكل مؤسسي ومنتظم، وضمت الرواتب الأسرى داخل سجون الاحتلال وأسر الشهداء والجرحى.

لكن في عام 2004، أقر المجلس التشريعي الفلسطيني تحت سيطرة حركة “فتح” قانون الأسرى والمحررين رقم 19 لسنة 2004.

ونص القانون على ضمان حقوق الأسرى، بما في ذلك رواتب شهرية تعتمد على مدة الحكم ونوعية الإصابات أو الأضرار التي لحقت بالأسير.

كما شمل القانون تأمينًا صحيًا وتعليمًا مجانيًا للأسرى المحررين وعائلاتهم، وأكد على أهمية إدماجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم.

تعديلات 2010 ودور سلام فياض

خلال فترة رئاسة سلام فياض للحكومة الفلسطينية (2007-2013)، أُجريت تعديلات مهمة على قانون الأسرى. فياض، الذي كان يزعم التركيز على بناء مؤسسات الدولة وتعزيز الشفافية المالية، أعاد هيكلة نظام الرواتب لضمان إدارتها بشكل مؤسسي ومنظم.

توحيد الرواتب: تم توحيد رواتب الأسرى في سلم رواتب واضح يعتمد على مدة السجن والرتبة التنظيمية داخل الفصائل الفلسطينية.

زيادة الرواتب: تمت زيادة رواتب الأسرى، خاصة أولئك الذين قضوا فترات طويلة في السجون، لضمان حياة كريمة لهم ولأسرهم، وتم ربط هذه الزيادات بالتضخم وغلاء المعيشة.

إدراج موظفي الأجهزة الأمنية: خلال هذه التعديلات، جرى دمج الأسرى المحررين ضمن برامج التوظيف في الأجهزة الأمنية الفلسطينية أو في القطاع العام، ما سمح لهم بالحصول على رواتب مستقرة بعد الإفراج.

الضغوط الدولية والإسرائيلية

مع تزايد الانتقادات الدولية، وخاصة من الولايات المتحدة والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بدأت الضغوط على السلطة الفلسطينية للتراجع عن صرف رواتب الأسرى.

في عام 2018، أقر الكنيست الإسرائيلي قانونًا يسمح باقتطاع مبلغ يعادل ما تدفعه السلطة الفلسطينية كرواتب للأسرى والشهداء من عائدات الضرائب التي تجمعها السلطات الإسرائيلية نيابة عن السلطة.

وبينما رفضت السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس، التراجع عن صرف الرواتب، واعتبرت ذلك واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا تجاه الأسرى وعائلات الشهداء، فإنها بالإجراء الجديد تحايلت على القضية عبر صرف هذه المخصصات كجزء من شبكة الحماية الاجتماعية وليس تكريسا لدور هذه الفئات في إطار النضال الوطني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى