تحليلات واراء

فتح تطفئ بريق منظمة التحرير.. لما رمزية التمثيل في خطر “داهم”؟

تفقد منظمة التحرير الفلسطينية بريق وصفها ككيان جامع للشعب الفلسطيني، وممثل شرعي ووحيد لقضيته، بعد أكثر من 5 عقود على تأسيسها، مع احتكارها على يد حركة فتح كإطار تحت مسمى “الشرعية التاريخية”، تمارس فيه السلطة باسم الجميع دون شراكة حقيقية.

وباتت تتكشف أزمة عميقة تتعلق بشرعية التمثيل، ومدى تعبيره عن التعدد السياسي والاجتماعي للفلسطينيين مع رفض فتح إصلاحها ودمج كبرى الحركات والهيئات الفلسطينية فيها من الداخل والخارج.

وكان اجتماع المجلس المركزي الذي انعقد مؤخرا والتغييرات التي أحدثها فتح الباب على تساؤلات حول مدى شمولية تمثيلها لجميع الفلسطينيين، مقابل تزايد هيمنة فتح على مفاصل القرار فيها.

سطوة فتح

الكاتب السياسي امين الحاج يقول إن منظمة التحرير تحولت لمساحة مغلقة تدار بآليات شبه فصائلية، إذ باتت اللجنة التنفيذية، وهي الهيئة القيادية العليا للمنظمة، خاضعة لسيطرة “فتح” الكاملة، إما مباشرة أو عبر شخصيات محسوبة عليها، فيما بقيت الفصائل الأخرى مشاركة رمزيًا، أو مهمشة فعليًا.

ويوضح الحاج أن الخروج من أزمة التمثيل في منظمة التحرير يبدأ من الاعتراف أولاً بأن الهيمنة الفتحاوية على القرار السياسي لم تعد قابلة للاستمرار، وبالتالي تبرز الحاجة الماسة إلى تجديد المجلس الوطني عبر الانتخاب المباشر في الداخل والشتات، وإصلاح النظام الداخلي.

ويشير إلى أن ذلك يضمن الشفافية والفصل بين السلطات، ودمج القوى السياسية غير الممثلة ضمن إطار وطني جامع، لاستعادة مكانة المنظمة كمؤسسة تحررية، لا كمجرد غطاء سياسي للسلطة.

ويبين أنه و”عندها فقط، يمكن لمنظمة التحرير أن تستعيد موقعها كحاضنة لكل الفلسطينيين، وتنتقل من حالة الاحتكار إلى مشروع وطني تعددي، يعكس نبض الشارع الفلسطيني، وتطلعاته، ونضاله”.

فساد منظمة التحرير

المختص في الشأن القانوني مصطفى إبراهيم يرى أن دعوات إصلاح منظمة التحرير ارتفعت وتيرتها مع تصاعد سياسة الإقصاء والاستفراد التي انتهجتها قيادة السلطة التي تترأسها فتح منذ فترات مختلفة.

ويكشف إبراهيم عن أن الاستفراد بمنظمة التحرير وصل حد تعيين أعضاء لجنتها التنفيذية وفق مصالح النخبة المهيمنة على المنظمة ودون اعتبار للأنظمة الداخلية ومصادر الشرعية وهي الشعب الفلسطيني.

ويوضح أن السلطة برئاسة محمود عباس كانت ولا زالت تحاول منذ سنوات لمصادرة الحق في الدعوة والحديث عن إصلاح منظمة التحرير فقط على لسان قيادتها، والتي يبدو كانت تستخدم هذا الحديث للمناورة.

ويبين إبراهيم أنه ومع توقيع اتفاقيات أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية جرت عملية إضعاف متعمدة وممنهجة لمنظمة التحرير، وتراجعت مكانة الأخيرة (الأم) في الساحة الفلسطينية لحساب السلطة (الابنة)، إذ باتت المنظمة بالواقع وكأنها دائرة من دوائر السلطة تستدعيها كلما كانت لها حاجة بها، وهو الذي نرجح أنه يحصل حاليا.

ويؤكد أن الاستجابة إلى الوحدة والإصلاح المؤسسي تبدأ بالتنفيذ بحسن نية لإعلان بكين بمضامينه كافةً بما في ذلك الوصول إلى إجراء الانتخابات العامة، لا بالتأكيد على الشروط الأربعة للمصالحة.

إعادة قولبة الهيمنة

المحلل السياسي أحمد الطناني يعتقد أن عباس اختار إعادة قولبة الهيمنة داخل الإطار الرسمي بدلًا من إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير كمظلّة جامعة، والانخراط بإصلاح جدي يُعيد الثقة بالمؤسسة الوطنية.

ويذكر الطناني أن عباس وضع كل مفاصل القرار داخل فتح متجاوزًا حتى الأعراف التنظيمية التاريخية التي كانت توزّع رمزيًا المناصب باللجنة التنفيذية على فصائل المنظمة، لضمان شكل الشراكة.

ويوضح أن المعركة الوجودية التي يخوضها الشعب الفلسطيني تدار بينما قيادة السلطة الرسمية تُمعن في تعزيز نفوذها، لا في بناء وحدة وطنية مقاومة.

ورأى أن القيادة المهيمنة على منظمة التحرير وفتح، اختارت المضي قُدمًا بإجراءات تعزز هيمنتها وتعيد هندسة المشهد السياسي على مقاسها، حتى وإن تعارض ذلك مع متطلبات الوحدة أو استحقاقات الصمود بوجه مشروع التصفية الصهيوني.

في المقابل، والحديث للطناني- علت أصوات وطنية وفصائلية تحاول كسر هذا السياق، داعية لمسار توحيدي يعيد الاعتبار للمشروع الوطني ويُخرج الحالة الفلسطينية من مأزق الانقسام والتفكك.

لكن “فتح” أصرت على تجاوز كل الأصوات، بما فيها تلك المنخرطة في منظمة التحرير، وواصلت إدارة المشهد وفق رؤية أحادية، حجبت الملفات الوجودية لحساب ترتيبات داخلية تعزز منطق الهيمنة وتُضعف فرص التوافق.

ويشدد على أن دورة المجلس المركزي، بكل ما حفّ بها من سياقات ومضامين، تكشف حجم الفجوة الآخذة بالاتساع بين المنظومة الرسمية، ونبض الشارع الفلسطيني وضرورات المعركة الوطنية، إذ بات واضحًا أن هناك من يسعى لحجز المؤسسات الفلسطينية بدوائر ضيقة من النفوذ، بينما تتعرض غزة والضفة لعمليات اجتثاث، تهدد ما تبقى من الكينونة الفلسطينية.

ويختم الطناني: “الأخطر أن حالة الاستنزاف لا تطال الجغرافيا والدم فقط، بل تمتد إلى رصيد المشروع الوطني، بوقت يحتاج فيه الفلسطينيون إلى قيادة جامعة، متماسكة، قادرة على إنتاج خطة مقاومة فعالة تحمي القضية والهوية، لا إلى مزيد من الانقسام وإعادة إنتاج الهيمنة على أنقاض البيت الوطني”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى