
لم يكن تعيين عزام الأحمد مجددًا أمينًا لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية سوى تجسيد فاضح لنهج السلطة في إعادة تدوير الفساد وإبقاء مفاتيح القرار بيد شخصيات مشبوهة ومرفوضة شعبيًا.
الأحمد، الذي لطالما ارتبط اسمه بالخيانات السياسية والولاء للمخابرات الأجنبية، يعاد اليوم إلى واجهة المشهد بقرار من رئيس السلطة محمود عباس، في ظل مجازر متواصلة في غزة واحتلال متغول في الضفة والقدس، ما يعكس حجم الانفصال الكامل بين السلطة وهموم الشارع الفلسطيني.
شخصية توتيرية تثير الانقسام
عزام الأحمد أصبح رمزًا للشخصية الجدلية والمثيرة للتوتر داخل الساحة الفلسطينية.
ومنذ سنوات، يحترف الأحمد نسف جهود المصالحة الوطنية عبر تصريحاته المتشنجة التي تستهدف حركتي حماس والجهاد الإسلامي، في الوقت الذي يقدَّم فيه نفسه كذراع عباس السياسي والأمني في الداخل والخارج، خاصة تجاه الدول التي تختلف مع نهج السلطة مثل الإمارات ومصر وتركيا.
فساد عزام الأحمد
ولد عزام الأحمد عام 1947 في قرية رمانة قضاء جنين، وتخرج من جامعة القاهرة بشهادة بكالوريوس في الاقتصاد، وانضم مبكرًا لحركة فتح، متسلقًا في المناصب حتى أصبح عضوًا في اللجنة المركزية للحركة والمجلس الوطني الفلسطيني.
وشغل مناصب حكومية عديدة، لكنه لم يترك أي أثر يُذكر سوى ملفات الفساد، والمحسوبيات، واستغلال النفوذ.
الفساد والمحسوبية عائلة الأحمد
فضائح عزام الأحمد لا تعد ولا تحصى، من أبرزها فرض تعيين قريبة زوجته، خولة الشخشير، وزيرة في حكومة الحمد لله عام 2014، الأمر الذي واجهه الأخير بتكذيب علني على الهواء مباشرة، مؤكدًا أن اسمها وُضع في القائمة بطلب مباشر من الأحمد.
لاحقًا، دفع الأحمد بتعيين ابن شقيقه، أحمد الأحمد، مديرًا عامًا للشؤون القانونية في سلطة الأراضي، بعد إجبار المدير السابق على الاستقالة.
كما أُدرج اسم ابن شقيقه ضمن قوائم منح الدكتوراه في المغرب، وسط سخط واسع داخل سلطة الأراضي.
الفساد طال أيضًا شقيقه علام الأحمد، محامي منظمة التحرير في الأردن، الذي اتُّهم بتلقي رشوة بقيمة 1.95 مليون دولار ضمن صفقة وهمية لشراء أرض في الأردن.
لص بغداد.. وسفير الفساد
حين كان سفيرًا لفلسطين في العراق، لُقّب الأحمد بـ”لص بغداد” بعد اتهامه بشراء عقارات شخصية بأموال مخصصة لدعم الفلسطينيين، وصرف رواتب لأفراد أسرته، منهم ابنته التي لم تكن تتجاوز الثامنة من عمرها، مبررًا ذلك بأنها “ترد على الهاتف في المنزل”.
ورغم توليه ملف المصالحة لسنوات، لم يحقق الأحمد أي اختراق يُذكر، بل استثمر الملف في تعزيز حضوره الإعلامي والولاء لعباس.
وتناقضاته ظهرت في تسريبات صوتية حين قال إنه مقتنع ببراءة محمد دحلان بنسبة 90%، وإن عباس هو المسؤول عن فشل السلطة في غزة.
لكنه في الاجتماعات الداخلية وعلى الشاشات، يهاجم دحلان بلا هوادة ويتهمه بالخيانة.
موقفه من حماس لا يقل تناقضًا، إذ يظهر مبتسمًا في لقاءاتهم، ثم ينقلب مهاجمًا فور عودته إلى رام الله.
أحد مهندسي العقوبات على غزة
ولم يخفِ الأحمد دعمه الصريح للعقوبات المفروضة على غزة، بل تفاخر بذلك عبر وسائل الإعلام.
قال في أحد تصريحاته: “غزة لا تحتاج مساعدات غذائية أو إنسانية”، كما تعهد بإفشال مشروع الميناء البحري بين غزة وقبرص، بحجة منع الانفصال عن الضفة، في وقت لم يفعل شيئًا لمنع تقسيم الضفة نفسها بالمستوطنات والحواجز.
الاعتراف بالتبعية للمخابرات الأمريكية
وفي فضيحة مدوية، اعترف الأحمد في مقابلة تلفزيونية بأنه وحركته “من جماعة الـ CIA وعلناً”، في إشارة واضحة لتبعية حركة فتح وأجهزتها الأمنية للمخابرات الأمريكية.
ورغم محاولته إنكار التسجيل لاحقًا، إلا أن الفيديو كان بالصوت والصورة ولا لبس فيه.
وسبق له أن أثار السخرية حين صرّح بأن عباس أعطى تعليمات للأجهزة الأمنية بالتصدي لاقتحامات الاحتلال، بينما الواقع يكشف أن هذه الأجهزة تنسق أمنيًا مع الاحتلال يوميًا، وتلاحق المقاومين بدلاً من حمايتهم.
فضائح أخلاقية ومالية في لبنان
وكشف القيادي الفتحاوي المنشق حمزة أبو زرد من بلجيكا عن سلسلة فضائح أمنية وأخلاقية ومالية تطال عزام الأحمد خلال زياراته إلى لبنان.
وذكر أن الأحمد، بمساعدة مسؤولين في السفارة الفلسطينية، يدير شبكة فساد مالي وأخلاقي تتضمن استئجار شقق فاخرة وتشغيل شبكات دعارة لصالحه، موثقًا ذلك بصور ومقاطع من داخل إحدى الشقق في بيروت.
عزام الأحمد ليس مجرد اسم مثير للجدل، بل تجسيد فعلي لانهيار القيم في منظومة الحكم الفلسطيني.
وتاريخه مليء بالفساد، التبعية، والطعن بالمقاومة، ومع ذلك يعاد إنتاجه وتلميعه في مفاصل القرار، في رسالة خطيرة للشعب الفلسطيني مفادها لا مكان للشرفاء في سلطة أفرغت النضال من مضمونه، وجعلت من العمالة والفساد طريقًا للترقي.