تحليلات واراء

تحقيق: تقنيات ذكاء اصطناعي استخدمها الاحتلال لتصعيد مجازره في غزة

غزة حقل تجارب للقتل الجماعي

كشف تحقيق نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن تقنيات ذكاء اصطناعي استخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي لتصعيد مجازره في غزة وشن غارات مدمرة خلفت آلاف الضحايا في صفوف المدنيين.

وتناول التحقيق تطوير دولة الاحتلال أدوات جديدة قائمة على الذكاء الاصطناعي لتحقيق تفوق في حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة، في وقت أدّت هذه التقنيات أحيانًا إلى عواقب قاتلة.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في أواخر عام 2023، كانت إسرائيل تهدف إلى اغتيال إبراهيم البياري، قائد بارز في حركة حماس في شمال قطاع غزة،  لكن الاستخبارات الإسرائيلية لم تتمكن من العثور على مكانه.

لذلك، لجأ ضباط إسرائيليون إلى تقنية عسكرية جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، بحسب ثلاثة مسؤولين إسرائيليين وأميركيين أُحيطوا علمًا بالأحداث. وقد تم تطوير هذه التقنية قبل عقد، لكنها لم تُستخدم في المعارك.

وبحسب التحقيق شكلت عملية البحث عن البياري حافزًا جديدًا لتحسين الأداة، لذا قام مهندسون في وحدة 8200 — المعادلة الإسرائيلية لوكالة الأمن القومي الأميركية — بإدماج الذكاء الاصطناعي فيها، وفقًا للمصادر.

وادعى التحقيق أنه بعد وقت قصير، استمعت الاستخبارات الإسرائيلية إلى مكالمات البياري واختبرت أداة صوتية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والتي قدمت تقديرًا تقريبيًا للموقع الذي أُجريت منه المكالمات.

وباستخدام هذه المعلومات، أمر قادة جيش الاحتلال بشن غارات جوية استهدفت المنطقة في 31 أكتوبر 2023، ما أدى إلى اغتيال البياري واستشهاد أكثر من 125 مدنيًا في الهجوم، بحسب منظمة Airwars، وهي هيئة مراقبة للنزاعات مقرها لندن.

وقد كانت الأداة الصوتية مجرد مثال واحد على كيفية الاستخدام الإسرائيلي للحرب في غزة لتجربة ونشر تقنيات عسكرية مدعومة بالذكاء الاصطناعي بسرعة وعلى نطاق غير مسبوق، وفقًا لمقابلات مع تسعة مسؤولين دفاعيين أميركيين وإسرائيليين.

غزة حقل تجارب للموت

خلال الـ18 شهرًا الماضية، دمجت دولة الاحتلال الذكاء الاصطناعي مع برامج التعرف على الوجوه لتحديد هويات أشخاص بوجوه مغطاة جزئيًا أو مصابة، ولجأت إلى الذكاء الاصطناعي لتجميع قوائم أهداف محتملة للغارات الجوية.

كما أنشأت نموذجًا لغويًا عربيًا لتشغيل روبوت دردشة (chatbot) قادر على تحليل الرسائل النصية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من البيانات العربية، وفقًا لما ذكره شخصان مطلعان على البرامج.

وكانت العديد من هذه الجهود ثمرة تعاون بين جنود في الخدمة في وحدة 8200 وجنود احتياط يعملون في شركات تكنولوجيا مثل Google وMicrosoft وMeta، بحسب ثلاثة أشخاص مطلعين على هذه التقنيات.

وقد أنشأت الوحدة ما بات يُعرف بـ “الاستوديو”، وهو مركز ابتكار ومكان لتنسيق الخبراء مع المشاريع المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، حسب قولهم.

لكن، حتى مع تسارع “إسرائيل” في تطوير ترسانتها من الذكاء الاصطناعي، أدت هذه التقنيات أحيانًا إلى أخطاء في التعرف واعتقالات خاطئة، فضلًا عن سقوط ضحايا مدنيين، وفقًا للمسؤولين.

وقد واجه بعض المسؤولين صعوبة في التعامل مع التداعيات الأخلاقية لهذه الأدوات، التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة في المراقبة وسقوط ضحايا مدنيين آخرين.

قال مسؤولون دفاعيون أوروبيون وأميركيون إن لا دولة أخرى كانت نشطة مثل “إسرائيل” في تجربة أدوات الذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة في الزمن الحقيقي، ما يوفر لمحة عمّا يمكن أن تكون عليه الحروب المستقبلية — وما يمكن أن يحدث عندما تخرج الأمور عن السيطرة.

قالت هداس لوربر، مديرة معهد الأبحاث التطبيقية في الذكاء الاصطناعي المسؤول في معهد هولون للتكنولوجيا والمديرة السابقة في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي: “الحاجة العاجلة للتعامل مع الأزمة سرّعت من الابتكار، كثير منه مدعوم بالذكاء الاصطناعي”.

وأضافت أن هذا قاد إلى “تكنولوجيا غيّرت قواعد اللعبة في ساحة المعركة ومنحت مزايا حاسمة في القتال”. لكنها حذرت من أن “هذه التقنيات تثير أيضًا تساؤلات أخلاقية جدية”.

ومنذ بدء حرب الإبادة على غزة، تم إعطاء الضوء الأخضر لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، بحسب أربعة مسؤولين إسرائيليين. أدى ذلك إلى التعاون بين وحدة 8200 وجنود الاحتياط في “الاستوديو” لتطوير قدرات جديدة بسرعة.

قال آفي حسون، المدير التنفيذي لمؤسسة “Startup Nation Central”، وهي منظمة إسرائيلية غير ربحية تربط المستثمرين بالشركات، إن جنود الاحتياط من Meta وGoogle وMicrosoft أصبحوا محوريين في دفع الابتكار في مجال الطائرات المسيّرة وتكامل البيانات.

وأضاف: “أتى جنود الاحتياط بخبراتهم وبإمكانية الوصول إلى تقنيات رئيسية لم تكن متاحة داخل الجيش”.

سريعًا، استخدم الجيش الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي لتحسين أسطوله من الطائرات المسيّرة.

قال أفيف شابيرا، مؤسس ومدير شركة XTEND المتخصصة في البرمجيات والطائرات المسيّرة والتي تعمل مع الجيش الإسرائيلي، إن خوارزميات مدعومة بالذكاء الاصطناعي استُخدمت لتطوير طائرات يمكنها تعقّب الأهداف من مسافة بعيدة.

وأضاف “في الماضي، كانت القدرة على تتبع الهدف تعتمد على التركيز على صورته، أما الآن، فيمكن للذكاء الاصطناعي التعرف على الهدف وتتبع الكائن ذاته — سواء كان سيارة متحركة أو شخصًا — بدقة قاتلة”.

وذكر شابيرا أن زبائنه الرئيسيين، الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع الأميركية، على دراية بالآثار الأخلاقية للذكاء الاصطناعي في الحروب، وناقشوا الاستخدام المسؤول للتقنية.

داخل تقنية الاستوديو

واحدة من الأدوات التي طوّرها “الاستوديو” كانت نموذجًا لغويًا ضخمًا باللغة العربية، وفقًا لثلاثة ضباط إسرائيليين مطلعين على البرنامج.

كان المطوّرون يواجهون صعوبة في إنشاء مثل هذا النموذج في السابق بسبب نقص البيانات النصية باللغة العربية لتدريب التقنية. وحتى عندما كانت هذه البيانات متاحة، كانت في الغالب مكتوبة بالعربية الفصحى، وهي أكثر رسمية من عشرات اللهجات العامية المستخدمة في المحادثات اليومية.

لكن الجيش الإسرائيلي لم يواجه هذه المشكلة، وفقًا لما قاله الضباط الثلاثة. إذ كانت لديه، على مدى عقود، رسائل نصية تم اعتراضها، ومكالمات هاتفية تم تفريغها كتابيًا، ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي مأخوذة من اللهجات العامية العربية.

لذا، قام الضباط الإسرائيليون بإنشاء النموذج اللغوي الضخم خلال الأشهر الأولى من الحرب، وبنوا روبوت دردشة (chatbot) للتفاعل معه بالعربية. ودمجوا هذه الأداة مع قواعد بيانات متعددة الوسائط، ما سمح للمحللين بإجراء عمليات بحث معقدة تشمل الصور ومقاطع الفيديو، بحسب أربعة مسؤولين إسرائيليين.

لكن في بعض الأحيان، لم يتمكن روبوت الدردشة من تحديد معاني بعض الكلمات العامية الحديثة أو الكلمات المنقولة من الإنجليزية إلى العربية، بحسب ضابطين. وهذا استدعى تدخل ضباط استخبارات إسرائيليين مختصين باللهجات المختلفة لمراجعة وتصحيح نتائج الروبوت، كما قال أحدهم.

كما أن روبوت الدردشة كان يقدم أحيانًا نتائج خاطئة — مثل إرجاع صور لأنابيب بدلاً من أسلحة — بحسب ضابطي استخبارات إسرائيليين. ومع ذلك، قالا إن الأداة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي سرّعت البحث والتحليل بشكل كبير.

وفي نقاط التفتيش المؤقتة التي أقامها جيش الاحتلال بين شمال وجنوب قطاع غزة، بدأت أيضًا بتجهيز الكاميرات بقدرات لمسح الصور عالية الدقة للفلسطينيين وإرسالها إلى برنامج للتعرف على الوجوه مدعوم بالذكاء الاصطناعي.

لكن هذا النظام أيضًا واجه صعوبات في تحديد هويات الأشخاص الذين كانت وجوههم مغطاة جزئيًا، ما أدى إلى اعتقال واستجواب فلسطينيين تم التعرف عليهم عن طريق الخطأ بواسطة النظام، وفقًا لضابطي استخبارات إسرائيليين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى