تحليلات واراء

الشرق الأوسط مهدد بحروب إسرائيلية تستمر لسنوات قادمة

في وقت توغل دولة الاحتلال الإسرائيلي في خططها العدوانية، فإن منطقة الشرق الأوسط باتت مهددة بحروب إسرائيلية قد تستمر لسنوات قادمة في وقت لا تظهر حرب الإبادة على غزة أي مؤشرات على قرب انتهائها.

ويبدو أن هذه الحرب ستستمر لسنوات طويلة، وستتوسع لتشمل إيران والولايات المتحدة، وهو السيناريو الذي يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأنظمة الدول الغنية بالنفط في الخليج العربي، والتي تأمل في التخلص من إيران ومحور المقاومة بأكمله في لبنان وسوريا واليمن والعراق.

إن الشعور بالهزيمة الذي خلفه هجوم حماس ــ بمقتل عدد غير مسبوق من الإسرائيليين في هجوم واحد منذ قيام الدولة الصهيونية في عام 1948 ــ خلق ما يشبه الزلزال داخل دولة الاحتلال.

واتفق الرأي العام الداخلي في (إسرائيل) على أن الرد يجب أن يكون شديدا جدا، من أجل استعادة قوة الردع الإسرائيلية، وترسيخ سياساتها التوسعية في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وخاصة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.

قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ورغم أزماته الداخلية، تصور بنيامين نتنياهو أنه أغلق ملف الدولة الفلسطينية إلى الأبد من خلال ترسيخ الاستيطان على الأرض. وفي الوقت نفسه، مضى قدماً في اتفاقيات التطبيع مع كل الدول العربية تقريباً ـ بدرجات متفاوتة من التقارب.

لكن هجوم طوفان الأقصى أظهر أن الملف الفلسطيني لم يُغلق في واقع الأمر، وأن عزم نتنياهو على الانتقام ازداد مع محاولة ترسيخ معادلة “السلام مقابل السلام” التي طالما طرحها بديلاً عن صيغة “الأرض مقابل السلام”، حتى أنه نجح في دفع الدول العربية إلى قبول صيغته على مضض، والتوقف عن المطالبة الجدية بإقامة دولة فلسطينية على ثلث أراضي فلسطين التاريخية.

فشل النظام الدولي

من السهل القول إن استمرار هذه الحرب، وتجاهل الخسائر البشرية الفلسطينية المروعة، وتطبيع جزء كبير من العالم لها، دليل على فشل النظام الدولي وغياب أي مصداقية للمؤسسات الدولية وقوانين الحرب وحقوق الإنسان.

ومن الواضح أن أحداً لن يستطيع ردع (إسرائيل) وإجبارها على وقف حربها، لأنها كانت دوماً محمية بحليفتها وشريكتها الولايات المتحدة، بغض النظر عن أي أحكام وقرارات صادرة عن المحاكم الدولية.

باختصار تظهر (إسرائيل) أكثر من أي وقت مضى، استثناء في العالم ولا أحد يستطيع محاسبتها حتى على انتهاكها الصارخ والسافر للقانون الدولي.

وفي الوقت نفسه، تنشغل روسيا بمشاكلها الداخلية وحربها مع الغرب في أوكرانيا. ولم تتدخل الصين أيضاً، بل اختارت بدلاً من ذلك استراتيجية الصبر.

أصبحت إدارة بايدن أكثر حرجًا

على مدار العام الماضي، تنافس المحللون والمراقبون والدبلوماسيون على تقييم ما إذا كانت إدارة جو بايدن راغبة أو قادرة على الضغط على نتنياهو لوقف الحرب، بعد أن حقق نسبيا معظم أهدافه المعلنة.

في اليوم التالي للهجوم، قدم بايدن دعمه الكامل لإسرائيل ولم يخف تحيزه لها. ينتمي الرئيس البالغ من العمر 82 عامًا إلى جيل من الأميركيين الذين أعجبوا بالتجربة الصهيونية لدرجة أنه يكرر باستمرار أنه “صهيوني فخور”.

صحيح أن السياسة الأميركية الرسمية تناهض حماس وحزب الله وبقية جماعات المقاومة، لكن بايدن قدم دعماً سخياً لنتنياهو، من خلال تشكيل غرفة عمليات مشتركة لمراقبة تحركات قادة حماس في غزة.

لكن بعد أشهر من الحرب الإبادة الجماعية ومشاهد القتل الوحشي العشوائي للفلسطينيين، أصبحت إدارة بايدن أكثر حرجًا وأزماتها أكثر تعقيدًا، ولم يخف انزعاجه من وصف “الإبادة الجماعية” الذي ردده مؤيدو فلسطين الأميركيون أمامه في معظم المناسبات العامة التي حضرها خلال هذا العام.

ذلك لأن عام الحرب هذا هو عام ساخن في الولايات المتحدة، حيث أصبحت فلسطين، لأول مرة، قضية انتخابية داخلية. ويهتم كلا المرشحين، دونالد ترامب وكامالا هاريس، بضمان الفوز في ولاية ميشيغان المتأرجحة، حيث يمكن لكتلة الناخبين العرب والمسلمين أن ترجح كفة أحد المرشحين على الآخر.

تغيير ملحوظ في الولايات المتحدة

نعم، لا تزال المؤسسات الأميركية الحاكمة خاضعة بشكل كامل لنفوذ اللوبي الصهيوني المؤيد لإسرائيل، ولكن هناك تزايد ملحوظ في وعي شريحة كبيرة من المجتمع الأميركي، وخاصة بين الشباب والمثقفين، بمأساة الشعب الفلسطيني.

لقد أدركوا أن الدعم المطلق الذي تقدمه بلادهم لإسرائيل هو في واقع الأمر دعم لنظام عنصري يقوم على الاحتلال والطرد القسري لسكانه.

ورغم أن نتنياهو واصل رفض المبادرات الأميركية، وتوجيه الإهانة تلو الإهانة لبايدن، سراً وعلناً، فإن واشنطن منحت (إسرائيل) أشهراً طويلة لإشباع عطشها للانتقام من الفلسطينيين.

وكأن علاقة بايدن الطويلة الأمد برئيس الوزراء الإسرائيلي تشبه علاقته بابنه هانتر الذي أدين في قضايا التهرب الضريبي ويشتبه في استغلاله منصب والده لتحقيق الربح. ويواصل بايدن الدفاع عنه مهما كانت الجرائم التي ارتكبها.

منذ بداية العام الجاري يرفض نتنياهو بشدة الدعوات الأميركية لوقف إطلاق النار، وهو لا يزال يبحث عن “صورة النصر” التي يريدها للبقاء في السلطة لسنوات أخرى.

وقد نجا نتنياهو من الدعوات المتزايدة لوقف الحرب في غزة وإعادة الأسرى الإسرائيليين، بشن حرب أخرى على لبنان، مما دفع المنطقة برمتها إلى حافة الهاوية.

لقد بدأت هذه الحرب في غزة قبل عام، وهناك تواصل قوات الاحتلال مجازرها اليومية. وبينما تمتد الحرب وتتصاعد على جبهات أخرى، فإن الخسائر البشرية اليومية للفلسطينيين في غزة لم تعد القصة الرئيسية.

وباتت تلك الضحايا شاشة جانبية ضمن شاشات أخرى متعددة تظهر ما يجري في لبنان وإيران وداخل إسرائيل مع تصاعد العمليات الفلسطينية والتي يؤكدون من خلالها تمسكهم بخيار المقاومة بكل أشكالها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى