معاناة كارثية غير مسبوقة للعمال في غزة في يومهم العالمي

يعيش العمال الفلسطينيون معاناة كارثية غير مسبوقة في ظل استمرار الهجوم العسكري الإسرائيلي وجريمة الإبادة الجماعية التي تقترفها قوات الاحتلال في قطاع غزة، ونتيجة للسياسات والإجراءات الاستعمارية التي تنفذها تلك القوات في مجمل الأرض الفلسطينية المحتلة على مدى عقود.
وبحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان فقد شهد القطاع العمالي في غزة طوال سنوات الحصار الممتد منذ عام 2008 أوضاعاً اقتصادية ومعيشية قاسية تحت وطأة الإغلاق والقيود الإسرائيلية الخانقة والتنكر لأبسط حقوقهم.
لكنّ ما طرأ في القطاع منذ أكتوبر 2023 يتجاوز كل وصف ولا يمكن مقارنته بأي أزمة سابقة، فالحصار الإسرائيلي انقلب إلى جريمة إبادة جماعية، وتحولت معه حياة عمّال غزة إلى جحيمٍ يوميٍ وباتوا ضحية أخرى لحرب الإبادة الجماعية.
وبمناسبة يوم العمال العالمي، الذي يصادف الأول من مايو/أيار من كل عام، أكد المركز الحقوقي أن مئات آلاف العمال الفلسطينيين يعانون أوضاعًا اقتصادية مأساوية تقع في قلب أسوأ كارثة إنسانية عرفها القطاع نتيجة لحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة.
وشدد المركز على أن ما يتعرض له العمال الفلسطينيون من انتهاكات لحقوقهم في العمل ضمن ظروف عادلة ومواتية، وحرمانهم من الحد الأدنى من الحماية والأمان المعيشي، يأتي ضمن إطار ممارسات الاحتلال الإسرائيلي التي تهدف إلى تدمير مقومات الحياة للسكان.
وكذلك إعدام أي أفق اقتصادي واجتماعي يضمن لعموم الفلسطينيين وعلى رأسهم العمال حقهم في حياة كريمة، كجزء من جريمة الإبادة الجماعية، حيث يتم إخضاع السكان لظروف معيشية تؤدي إلى تدميرهم ماديًا ومعنويًا.
سنوات من المعاناة
قبل شن الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أظهرت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء هشاشة الواقع العمالي في قطاع غزة حيث عانت القوى العاملة من ارتفاع معدلات البطالة والفقر وانخفاض المستوى المعيشي، حيث وصل معدل البطالة إلى 45.1% في قطاع غزة، مقارنة بمعدل 12.9% في الضفة الغربية.
وكان من الملاحظ أن البطالة تتفشى بصورة مُقلقة بين حاملي الشهادات الجامعية وذوي الدبلوم، حيث بلغت نسبة بطالة الخريجين في الفئة العمرية 19–29 عامًا في غزة 73%، وهي نسبة تعكس تهميش الشباب وافتقار سوق العمل لأي آفاق مستقبلية لهم.1
وفي غضون أشهر قلائل من اندلاع الحرب، شهد القطاع العمالي منحدرًا كارثيًا، فقد أشارت التقارير الصادرة مؤخرًا عن منظمة العمل الدولية ومعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) أن معدلات البطالة في غزة ارتفع إلى أكثر من 80% بحلول نهاية 2024، 2 أي أن أربعة من كل خمسة أفراد في سن العمل باتوا بلا مورد رزق.
فيما سجل المعدل العام للبطالة في الضفة الغربية نحو 35% نتيجة الإجراءات الأمنية وتقييد الحركة وعمليات الإغلاق والاقتحامات اليومية.
وفي هذا السياق، أضحى مئات الآلاف من العمال الذين كانوا يعتمدون على أجور يومية منخفضة يعيشون على وقع الانتظار والترقب للمساعدات والمعونات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الإغاثية، بعد أن فقدوا مصدر رزقهم الوحيد وفقدوا القدرة على تأمين احتياجاتهم الأساسية بما في ذلك الغذاء والدواء والمسكن.
وقد أدى الهجوم العسكري الإسرائيلي إلى توقف شبه كامل لجميع المصانع والمنشآت الاقتصادية حيث تم تدمير أكثر من 90% من المساكن والبنى التحتية والمنشآت الصناعية والتجارية والزراعية والخدمية في القطاع.
كما مُنع العمال من الوصول إلى الأراضي الزراعية والصيد في البحر، بالتوازي مع تعرض 1.9 من سكان القطاع للنزوح القسري، حيث تقطعت بهم السبل بين مخيمات النزوح التي تفتقد لأبسط مقومات الحماية والسلامة الإنسانية.
وأدى هذا الانهيار إلى شلل الاقتصاد المحلي، والتسبب بفقدان نحو 201 ألف عامل، أغلبهم من عمال المياومة، أعمالهم في غزة، وهو ما يمثل أكثر من ثلثي حجم القوى العاملة قبل الحرب، دون أي مدخرات أو شبكة ضمان اجتماعي توفر لهم الحماية.
وتقدّر الخسائر اليومية في الدخل العمالي بنحو 21.7 مليون دولار أميركي، وكنتيجة لهذا الانهيار اتسعت دائرة الفقر متعدد الأبعاد بشكل خطير لتشمل معظم سكان قطاع غزة.
انتهاكات خطيرة لعمال الداخل
لم تقتصر معاناة عمال غزة على فقدانهم مصادر رزقهم داخل القطاع وتفاقم أوضاعهم نتيجة لتعرضهم للقصف والنزوح القسري والتجويع، بل تعرض الغزيون الذين كانوا يعملون في داخل الأراضي المحتلة عام 1948 قبل السابع من أكتوبر 2023، وكان يبلغ عددهم حوالي 10 آلاف عامل، لانتهاكات خطيرة.
وشمل ذلك الملاحقة والاحتجاز في معسكرات الاحتلال في أجواء باردة وتحت ظروف توصف بالوحشية وغير الانسانية دون توجيه تهم واضحة لهم، مع تعرضهم للتعذيب والتنكيل والإهانة، ومصادرة متعلقاتهم الشخصية وأموالهم، كما تم ترحيل العديد منهم إلى قطاع غزة في حالة مزرية استدعت نقلهم للعلاج.
وقد تلقى المركز إفادات مروعة من عشرات العمال الذين تم اعتقالهم وإخضاعهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللانسانية، وما يزال عدد منهم في عداد المفقودين حيث تعرضوا للاختفاء القسري.
وختم المركز بأن هذه الممارسات الإجرامية الموجهة ضد العمال -وهم العمود الفقري لأي مجتمع- لا تشكل فقط خرقًا صريحًا لالتزاماتها كسلطة احتلال، بالإضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقواعد القانون الدولي لحقوق الانسان لا سيما المتعلقة بحماية الأجور في الأوضاع الطارئة، بل تمثل شاهدًا دامغًا آخر على جريمة الإبادة الجماعية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني.