تحليلات واراء

عباس وشلل منظمة التحرير: قيادة عاجزة في زمن الإبادة

في وقت تخوض فيه فلسطين واحدة من أكثر مراحلها دموية وخطورة، تستمر منظمة التحرير الفلسطينية، الإطار المفترض أن يقود النضال الوطني، في حالة من الجمود السياسي والعجز التنظيمي.

ورغم تصاعد الدعوات إلى إصلاح المنظمة وإعادة بنائها، فإن هذه الدعوات تصطدم بجدار الصمت والتجاهل من جانب القيادة الفلسطينية، وفي مقدمتها الرئيس محمود عباس، الذي يتحمل، وفقاً لكثير من التحليلات، المسؤولية المباشرة عن هذا الشلل المستمر منذ ما يزيد عن 18 عاماً.

لا يمكن فهم أزمة منظمة التحرير الحالية دون الإشارة إلى النهج الذي اتبعه عباس منذ توليه السلطة، حيث قام بتجميع السلطات في يده، معطلاً الانتخابات، وحلاً للمجلس التشريعي، وتهميشاً متعمداً للمجلس الوطني، في محاولة لتفريغ مؤسسات المنظمة من فعاليتها وتحويلها إلى هياكل شكلية تدور في فلك قراره الفردي.

وهذا التفرّد بالقرار جعل من أي خطوة إصلاحية، كاستحداث موقع “نائب الرئيس” للجنة التنفيذية، مجرد محاولة شكلية لإضفاء شرعية زائفة على منظومة متآكلة من الداخل.

منظمة خارج زمن التحرّر

إن تحوّل منظمة التحرير، منذ توقيع اتفاق أوسلو، من حركة تحرّر وطني إلى مؤسسة بيروقراطية تخضع لشروط الاحتلال، أفقدها جوهرها الأساسي.

فكيف يمكن لحركة تحرّر أن تستمد شرعيتها من سلطة تنسّق أمنياً مع الاحتلال، وتعيش على التمويل المشروط، وتدير علاقاتها السياسية وفق ميزان القوى المفروض من الخارج؟

لم تعد منظمة التحرير تعبّر عن التغيرات التي شهدها المجتمع الفلسطيني. القوى السياسية والاجتماعية التي شكّلت عماد المنظمة قبل عقود فقدت الكثير من وزنها، بينما ظهرت قوى جديدة أكثر التصاقاً بنبض الشارع، وأكثر قدرة على التعبير عن واقع المقاومة والصمود.

ومع ذلك، ترفض القيادة الحالية للمنظمة إدماج هذه القوى ضمن بنية المنظمة، محافظة على بنية قديمة لم تعد تُمثّل سوى جزء ضئيل من الشعب الفلسطيني، ما يكرّس الانقسام ويهدد وحدة التمثيل الوطني.

عباس وفقدان البوصلة السياسية

في ظل حالة الاستهداف الإسرائيلي غير المسبوق لغزة وباقي مناطق فلسطين، والتي تتجاوز حدود العمليات العسكرية إلى محاولة فرض حلول نهائية للصراع تقوم على الإخضاع أو التهجير أو الإبادة، يتعمق الفشل السياسي للقيادة الفلسطينية الحالية.

لقد أصبح من الواضح أن عباس يفتقر إلى رؤية استراتيجية لمواجهة هذا المشروع، ويعتمد بدلاً من ذلك على المناورة السياسية وتجميد المبادرات. وحتى عندما يتحدث عن إصلاح منظمة التحرير، فإن خطواته تظل محكومة بنفس العقلية الإقصائية التي عطلت مسار الانتخابات وحرّفت أهداف أوسلو.

ليس من المبالغة القول إن استمرار محمود عباس في قيادة منظمة التحرير بهذه الطريقة، في وقت تُشن فيه حرب إبادة ضد الفلسطينيين، يمثل عائقاً جوهرياً أمام بناء جبهة وطنية موحدة لمواجهة المشروع الإسرائيلي. بل إن سياسات التهميش والإقصاء التي ينتهجها الرئيس فتحت الباب أمام قوى إقليمية ودولية لتجاوز المنظمة وتجاهلها في المشهد السياسي.

مناشدة وطنية أخيرة

في ظل هذا الواقع المأزوم، يصبح من الضروري إطلاق دعوة وطنية صادقة لإعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية تمثّل كل مكونات الشعب الفلسطيني، في الداخل والشتات، وتستعيد وظيفتها كحركة تحرر وطني. ومفتاح هذا المسار هو عقد لقاء وطني جامع لا يخضع لحسابات التوازنات الإقليمية أو ضغوط المانحين، بل ينطلق من وحدة الشعب ووحدة القضية والمصير.

إن هذه الدعوة لا تستهدف فقط الخروج من الأزمة، بل تمثل طوق النجاة الأخير للرئيس عباس نفسه، الذي يجد اليوم نفسه محاطاً بسيناريوهات خارجية تهدف إلى تهميشه والتخلص منه ضمن مخطط أكبر لتصفية القضية الفلسطينية.

ويجمع مراقبون على أن المبادرة إلى تفكيك الانقسام، والدعوة إلى انتخابات عامة، وإعادة تشكيل المجلس الوطني على أسس ديمقراطية، ليست ترفاً سياسياً، بل ضرورة وجودية أمام واقع يتآكل فيه المشروع الوطني تحت أقدام الاحتلال، وأمام أنظار قيادة عاجزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى