هل أصبح للقانون الدولي أي أهمية في خضم حرب الإبادة في غزة؟
تعالت صرخة عالمية واسعة النطاق ضد الإبادة الجماعية المستمرة في غزة منذ أكثر من عشرة أشهر، ولكن لم تترجم بعد إلى خطوات ملموسة على المستوى الدولي لوقف دولة الاحتلال الإسرائيلي عن جرائمها ما أثار تساؤلات حول أهمية القانون الدولي.
وفي خضم الإجرام والقمع المستمرين في غزة، أدى هذا التناقض بين الإرادة الشعبية العالمية والعمل الحكومي/المؤسسي إلى تغذية انعدام الثقة المتزايد لدى الجمهور في النظام الدولي، وربما الأهم من ذلك، في القانون الدولي نفسه.
وفي ظل هذه الخلفية، أصبحت الحاجة إلى إعادة تقييم وظائف القانون الدولي ملحة للغاية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، تناول مؤتمر عقد في جامعة بوغازيتشي في مدينة إسطنبول التركية، تحت عنوان “إعادة التفكير في القانون الدولي بعد غزة”، هذه القضية بالذات، وأثار تساؤلات مهمة حول إنهاء الاستعمار ومستقبل القانون الدولي. وضم المؤتمر نخبة من المحامين والخبراء والأكاديميين والمشرعين من مختلف أنحاء العالم.
القانون الدولي وتعزيز الاستعمار
ينظم القانون الدولي العلاقات السياسية والاقتصادية العالمية على مستويات مختلفة، ويهدف إلى تسهيل السلام وحقوق الإنسان وحماية البيئة.
ولكن في واقع الأمر، كان هذا القرار سبباً في تعزيز الاستعمار الغربي ومنح الغرب الليبرالي امتيازات.
فقد طُلِب من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية اتخاذ خطوات نحو مقاضاة “إسرائيل”، ولكنهما كانتا بطيئتين في التحرك، حيث اتُهِمَت المحكمة الجنائية الدولية لفترة طويلة بالتركيز المفرط على الدول الأفريقية.
لقد أدت الجذور الاستعمارية للقانون الدولي والتحيز الغربي إلى تهميش الجنوب العالمي. فهو يركز على أوروبا في إنتاجه للمعرفة، ويتجاهل بشكل منهجي المناطق الأخرى وتجاربها.
معايير مزدوجة
إن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة لا تشكل إبادة جماعية فحسب، بل إنها تنطوي أيضا على جرائم أخرى واسعة النطاق، مثل قتل السكان والتدمير المنهجي للمساكن.
ومع ذلك، وعلى الرغم من انتقاد الدول الغربية لروسيا بانتظام لفشلها في الالتزام بالقانون الدولي، فإنها لم تتخذ نفس النهج مع “إسرائيل”.
إن المنافسة بين القوى العظمى مصطلح يستخدم لتعريف السياسة العالمية المعاصرة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وتراجع الهيمنة الأميركية .
ففي عالم متعدد الأقطاب، تتنافس الهيمنة الأميركية بشكل مباشر مع صعود الصين والنزعة الرجعية الروسية. فلماذا لا تتخذ الدول، في ظل هذا الهيكل المجزأ، خطوات واضحة بشأن الأزمة في غزة؟
في حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي، يُزعم أن انتصار النظام الليبرالي الدولي أدى إلى تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون والقيم الديمقراطية. لكن القيم الليبرالية لا تترجم إلى المساواة أو الرخاء في الجنوب العالمي؛ بل إنها تعمل على قمع شعوبه، بما في ذلك الفلسطينيين.
إن الجذور الاستعمارية للنظام الليبرالي الدولي تتجلى أيضاً في مؤسساته. فقد أدى حق النقض المطلق الذي تتمتع به الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يقوض العلاقات المتساوية بين الدول ذات السيادة، إلى إحداث شروخ في السياسة العالمية.
إن الغزو الأميركي للعراق والغزو الروسي لأوكرانيا يوضحان هذه الحقيقة. فضلاً عن ذلك، استُخدِمت حقوق النقض والقوة العسكرية لتحويل العديد من المناطق إلى مناطق صراع من خلال الحروب بالوكالة.
لقد أعاق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أي تحرك شامل بشأن غزة، في حين فشلت الدول الفردية في اتخاذ خطوات ملموسة. إن النظام الدولي الحالي يشكل عقبة كبيرة أمام العدالة العالمية. ولابد من تحرير القانون الدولي من الاستعمار.
العلاقات الاستعمارية
في الواقع، يتشكل النظام القانوني الدولي الحديث إلى حد كبير من خلال العلاقات الاستعمارية.
ورغم أن الفترة التي أعقبت عام 1945 شهدت حركة إنهاء الاستعمار، مما أدى إلى تقويض الجذور الاستعمارية للقانون الدولي، فقد عمل النظام العالمي باستمرار على تهميش دول العالم الثالث المستقلة حديثا خلال حقبة الحرب الباردة. كما دعم الاستعمار الجديد، على حساب دول الجنوب العالمي.
لقد عجزت الأمم المتحدة عن الاستجابة للمشاكل المعاصرة. والآن أصبح هناك قبول واسع النطاق لحقيقة مفادها أن الأمم المتحدة بحاجة إلى التحول، وأن قضايا التمثيل لابد وأن تحل.
وفي ظل السياق الحالي للحرب التي تشنها “إسرائيل” على غزة، أصبحت الحاجة إلى إصلاح هياكل الأمم المتحدة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
إن الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني وتشريد ومعاناة الشعب الفلسطيني، موثقان جيداً. وفي المستقبل، يجب أن تتضمن الاستراتيجية العالمية الاعتراف بدولة فلسطين على طول حدودها السابقة، وضمان حق العودة للفلسطينيين.
وإن حق تقرير المصير للفلسطينيين ينبغي أن يحظى بالدعم والتأييد من جانب المنظمات الدولية والمحاكم والدول والجمهور العالمي.
وكما أشارت محكمة العدل الدولية مؤخراً : “يتعين على جميع الدول أن تضمن إنهاء أي عائق ناجم عن الوجود غير القانوني لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة يحول دون ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير”.
إن كل الدول، الملزمة بالقانون الدولي، يجب أن تلتزم بهذا. والأمر الأكثر إلحاحاً هو أن المسؤولية تقع على عاتق كل فرد منا لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة.
نقلا عن موقع Middle East Eye