تحليلات واراء

إطالة أمد الحرب في غزة شريان الحياة الوحيد لنتنياهو

يشكل إطالة أمد حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة شريان الحياة الوحيد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لا يتراجع عن مواقفه بسبب الأحاديث الدبلوماسية القاسية خلف الأبواب المغلقة.

والأمر الذي أصبح محل إجماع إقليميا ودوليا أن الشيء الوحيد الذي قد يهزم نتنياهو سياسياً هو نهاية الحرب نفسها، وهو الأمر الذي تملك الولايات المتحدة القدرة على تحقيقه.

ومؤخرا عاد نتنياهو إلى قيادة السياسة الإسرائيلية وأصبحت نتائجه وائتلافه في استطلاعات الرأي قريبة من حيث كانت قبل بدء حرب الإبادة على غزة.

صحيح أنهم لم يحصلوا بعد على الأغلبية، لكنهم في وضع يسمح لهم بمنع تشكيل ائتلاف بديل في حالة الانتخابات.

والواقع أن شركاء نتنياهو، المستوطنين الأصوليين الدينيين مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن جفير، فضلاً عن الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة ونوابه من حزب الليكود، متحدون بقوة وراء إصراره على إطالة أمد الحرب.

وفي المنافسات المباشرة مع بديله المحتمل، بيني جانتس، يتقدم نتنياهو الآن في استطلاعات الرأي بعد أشهر عديدة من التأخر.

وإضافة إلى حظوظه الطيبة، أخذ الكنيست الإسرائيلي مؤخراً إجازة حتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول بعد الأعياد اليهودية. وخلال عطلة الكنيست، يكاد يكون من المستحيل الإطاحة بالحكومة.

البقاء في السلطة

كل هذا يعني أن نتنياهو سيبقى في السلطة على الأقل حتى منتصف عام 2025، إن لم يكن لفترة أطول. وسوف يرحب إما بدونالد ترامب أو كامالا هاريس عندما يتم تنصيبهما.

إن هذا يشكل عودة سياسية مبهرة، حتى بالنسبة لأطول رئيس وزراء في إسرائيل خدمة. فبعد هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، اعتبر كثيرون نتنياهو حصاناً ميتاً.

وكان “سيد الأمن”، كما وصف نفسه لسنوات، مسؤولاً عن أسوأ هزيمة عسكرية في تاريخ دولة الاحتلال.

لقد حمل المعلقون الإسرائيليون نتنياهو المسؤولية عن الكارثة الدفاعية التي أدت إلى هجوم طوفان الأقصى للمقاومة الفلسطينية.

بعد تلك الكارثة، افترض المراسلون الدبلوماسيون والعسكريون الإسرائيليون أن الحرب في غزة ستنتهي بعد بضعة أسابيع، وأن “الساعة الدبلوماسية” كانت تدق، وأنه في مرحلة ما، فإن حلفاء “إسرائيل” الغربيين، وخاصة إدارة بايدن، سيجعلون دولة الاحتلال تتوقف.

في نوفمبر وديسمبر، بينما كان تدمير مدينة غزة جاريًا ولكن الأجزاء الجنوبية من القطاع كانت لا تزال سليمة نسبيًا، انتشرت تقارير تفيد بأن الأميركيين كانوا يضغطون على بيبي لإنهاء الحرب بحلول العام الجديد.

بدا أن أيام حرب غزة معدودة، وكذلك حكم نتنياهو. كان من المقرر أن يحل محله ائتلاف يمين وسط أكثر اعتدالًا بقيادة أمثال غانتس.

لكن كيف وصلنا من هناك إلى هنا؟ وما هو الدور الذي لعبته الجهات السياسية الدولية في دعم وإحياء حظوظ نتنياهو السياسية، ومعها تدمير الحياة الفلسطينية في غزة على نطاق واسع؟

تداعيات التعامل اللطيف

يفسر العديد من الزعماء الليبراليين أو يسار الوسط في الغرب تعاملهم اللطيف مع نتنياهو بالقول إنه إذا واجهوه علنًا أو تصرفوا بشكل أكثر حزماً لإنهاء الحرب، فإن هذا لن يؤدي إلا إلى تمكين نتنياهو في نظر الجمهور الإسرائيلي وسيعطيه رصيدًا سياسيًا لمزيد من المواجهات مع الغرب.

إن الفكرة هنا تتلخص في تقديم الدعم الكامل تقريباً للسياسة الإسرائيلية في العلن، في حين يتم تسريب الأمر إلى الصحافة بأنهم يوجهون إلى نتنياهو بعض الكلام القاسي خلف الأبواب المغلقة.

وإذا هاجمناه، كما يقولون خارج نطاق النشر، فسوف يصبح أكثر شعبية، لذا فإننا نعبر عن إحباطنا في محادثات خاصة. وهذه الاستراتيجية، من منظور يسعى إلى وقف إطلاق النار كما يزعم كل هؤلاء القادة، فاشلة تماماً: إذ يواصل نتنياهو المذبحة في غزة وفي الوقت نفسه يستعيد قوته السياسية.

إذ عندما يصطدم نتنياهو مع زعماء أجانب، فإن أغلب الإسرائيليين يقفون إلى جانب رئيس وزرائهم بكل وضوح. لقد عمل نتنياهو على بناء شخصيته كموهبة دبلوماسية فريدة من نوعها قادرة على إخضاع زعماء العالم.

وعندما يتصدى للضغوط العالمية، كما كان يفعل خلال الأشهر العشرة الماضية، فإن هذه الشخصية تكتسب نفوذاً بين قطاعات كبيرة من الجمهور الإسرائيلي.

إن التنازلات الأخيرة التي قدمتها الولايات المتحدة بشأن قضيتين ــ شحنة القنابل التي تزن خمسمائة رطل وحجب العقوبات المحتملة على كتيبة نيتسح يهودا ــ تشكل مثالاً على موقف نتنياهو: فعندما يظل ثابتاً على موقفه، يستسلم الغرب.

من ناحية أخرى، يرى أكثر من نصف الجمهور الإسرائيلي أن نتنياهو مسؤول عن دمار “إسرائيل”، ولن يدعموه مهما بلغ عدد التصفيق الحار الذي يتلقاه في الكونجرس الأمريكي.

وتستخدم هذه المعارضة الشعبية لنتنياهو التدخلات الدولية لصالحها، وغالبًا ما تقدم نفسها على أنها متحالفة مع بايدن، الصديق الحقيقي ل”إسرائيل” والأسرى الإسرائيليين، ضد نتنياهو.

وقف الحرب لإسقاط نتنياهو

لكن الصدامات مع الغرب تشكل عوامل ثانوية في تعافي نتنياهو السياسي. فهي مجرد كلام، والكلام رخيص. والسبب الحقيقي وراء عودة نتنياهو سياسياً مرتبط بمواصلة الحرب ذاتها.

منذ اندلاع الحرب، روج نتنياهو لخط يقول إن كل الانتقادات السياسية والتحقيقات حول تعامله خلال العقد الماضي سوف تضطر إلى الانتظار حتى نهاية الحرب.

وفي الوقت نفسه، كان صريحاً في تأكيده أنه لا يرى نهاية للحرب في المستقبل القريب. والواقع أن تأجيله للسياسة إلى اليوم التالي للحرب كان بمثابة النصر الفعلي في “إسرائيل”.

وليس الأمر أن المعارضة الشعبية الإسرائيلية غير ملتزمة بإسقاط نتنياهو. ولكن من خلال تعزيز اليمين سياسياً، قد يجعل نتنياهو من بقائه في السلطة، وهو الاحتمال الذي كان يبدو سخيفاً في الشتاء الماضي، أمراً معقولاً ولا مفر منه.

لقد حشد نتنياهو قاعدته اليمينية حول المجهود الحربي وشعار “النصر الكامل”.

وبما أن ائتلافه السياسي يقوم على المستوطنين والفاشيين، فقد أدرك نتنياهو أن التهديد الوحيد لبقائه السياسي يكمن في اليمين.

وبالتالي، مُنح سموتريتش وبن جفير حرية التصرف في الترويج لأجنداتهما، بما في ذلك الضم النشط للضفة الغربية وتحويل نظام السجون الإسرائيلي إلى نظام تعذيب. والأمر الأكثر أهمية هو أن هذا التوجه نحو اليمين يعني تأخير ورفض أي اتفاق لوقف إطلاق النار.

إن سياسة الحكومة الإسرائيلية هي الحرب الدائمة. وهي المفتاح لتحقيق رؤيتها المتمثلة في تدمير غزة وضم الضفة الغربية، وهي المفتاح لبقائها السياسي.

والشيء الوحيد الذي قد يهزم نتنياهو سياسياً حقاً هو نهاية الحرب ذاتها. وهذا من شأنه أن يبدأ عملية ضغط سياسي تنتهي بانتخابات ــ إما لأن اليمين سوف يهجر نتنياهو لإنهاء الحرب، أو لأن أولئك الذين يتولون مناصب السلطة في “إسرائيل” والذين قبلوا حكم نتنياهو طالما كانت الحرب مستعرة سوف يجعلونه يعود إلى الساحة العامة.

إن الجهود الدبلوماسية التقليدية لإنهاء الحرب مستمرة منذ أشهر وهي تفشل. وفي ظل حكم نتنياهو، ستتواصل الحرب ما لم تعجز عن القيام بذلك ماديا – أي إذا تم قطع إمدادات الأسلحة. والولايات المتحدة لديها القدرة على تحقيق ذلك بخطوة واحدة.

قد يكون التهديد الموثوق والحاسم بخفض الأسلحة الهجومية كافيا. ومن المؤسف أن بايدن ملتزم تمامًا بتسليح دولة الاحتلال، تمامًا كما يلتزم نتنياهو بتدمير غزة.

ولا تستطيع هاريس، كنائبة للرئيس، تجاوز هذا الموقف علنًا قبل الانتخابات. ولكن يجب أن يكون هذا مطلب اليسار في مخاطبة بايدن: توقف عن التحدث بقسوة مع نتنياهو. استخدم القوة الحقيقية بين يديك.

المصدر/ مجلة jacobin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى