اغتيال القيادات الفلسطينية: الأفكار لا تموت أبدا
من المرجح أن تكون عملية اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية يوم 30 تموز/يوليو بمثابة الدفعة التي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبحث عنها بشدة في حرب الإبادة الجماعية غير المسبوقة المستمرة منذ عشرة أشهر ضد الفلسطينيين.
لكن بالنسبة لأعضاء حماس، وكثير من الفلسطينيين يتفقون معهم، فإن الشهادة ليست خسارة. ففي العقيدة الإسلامية، الشهادة هي واحدة من نتيجتين ناجحتين في النضال من أجل الحقيقة والعدالة؛ والنتيجة الأخرى هي النصر.
عندما ولدت حركة المقاومة الإسلامية حماس من رحم جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية في ديسمبر/كانون الأول 1987، كان هنية كادراً شاباً، كان على وشك أن يكمل الخامسة والعشرين من عمره.
ولكنه مثل كثير من رفاقه المسلمين ولد قائداً، فمنذ ولادته في 23 ديسمبر/كانون الأول 1962 لعائلة لاجئة فرت من وطنها في فلسطين، بالقرب من مدينة عسقلان أثناء نكبة عام 1948، نشأ وعاش في مخيم الشاطئ للاجئين شمال قطاع غزة.
تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط في مدارس وكالة الغوث الدولية بغزة، وحصل على الشهادة الثانوية من معهد الأزهر ثم التحق بالجامعة الإسلامية بغزة، وخلال دراسته في الجامعة حيث درس الأدب العربي انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين.
تخرج من الجامعة في صيف عام 1987، وسرعان ما تبع ذلك اندلاع الانتفاضة الفلسطينية وولادة حركة حماس. وقد اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي لفترات وجيزة في عامي 1987 و1988.
وبعد عام واحد، أعيد اعتقاله وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
وبعد إطلاق سراحه، اعتقلته السلطات الإسرائيلية مرة أخرى في شتاء عام 1992، ورحلته مع أكثر من 400 من كبار قادة ونشطاء حماس إلى جنوب لبنان.
شخصية موحدة
كان هنية منذ صغره خطيباً فصيحاً، وهي سمة قيادية أساسية في الثقافة العربية الإسلامية. وكان معروفاً بحبه للشعر.
ومع ذلك، بدأ يكتسب الشهرة عندما تم تعيين هنية مديراً لمكتب الشيخ أحمد ياسين، أحد مؤسسي حركة حماس، في أعقاب محاولة اغتيال زعيم حماس في الأردن خالد مشعل الفاشلة عام 1997.
إن زملاء هنية ورفاقه يتفقون على أنه كان شخصية موحدة. ففي دوائر حماس لم يكن يُنظَر إليه باعتباره مثيراً للجدل، بل كان يُنظَر إليه باعتباره ممثلاً لاتجاه معتدل وسطي داخل الحركة.
وهذا ما رفعه سريعاً إلى أعلى مراتب الحركة حين أدت سلسلة من الاغتيالات إلى القضاء على جيل كامل من المؤسسين والقادة.
وعندما حاول الإسرائيليون اغتيال الشيخ ياسين للمرة الأولى في السادس من سبتمبر/أيلول 2003، كان هنية برفقته، وأصيب الرجلان بجروح طفيفة.
ثم استشهد الشيخ ياسين في محاولة ثانية بعد ستة أشهر بعد صلاة الفجر مباشرة أثناء خروجه من المسجد.
الأفكار لا تموت أبدا
وفي يناير/كانون الثاني 2006، شاركت حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وفازت بها بأغلبية ساحقة.
وكان هنية زعيماً لكتلة حماس التي تضم 76 عضواً من أصل 132 عضواً في المجلس التشريعي.
وبعد ذلك طلب منه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تشكيل الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.
ولكن في العام التالي تصاعدت التوترات بين حماس وحركة فتح بقيادة عباس، واندلعت حرب في غزة وكانت النتيجة أن وقعت غزة تحت سيطرة حماس بينما وقعت الضفة الغربية تحت سيطرة فتح.
في 6 مايو 2017، انتخب مجلس شورى حماس هنية رئيساً للمكتب السياسي للحركة، خلفاً لخالد مشعل الذي شغل هذا المنصب منذ عام 1995.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في 31 يناير/كانون الثاني 2018 أنها أضافت اسم هنية إلى قائمة الإرهاب.
والآن من غير المرجح أن يؤثر إبعاد هنية عن الساحة سلبا على حماس، وهي الحركة التي تتكون من مؤسسات، والتي يقودها مسؤولون منتخبون.
وكما أشرنا سابقا، شهدت حماس اغتيال العديد من كبار قادتها، ومع ذلك استمرت في النمو في القوة والشعبية. حماس حركة تقوم على فكرة، والفكرة لا تموت مهما حدث.
لكن السؤال الذي سيطرحه كثيرون هو: كيف تمكن الإيرانيون من الاختراق بسهولة، وماذا سيكون ردهم على هذا الخرق الخطير لأمنهم والانتهاك الصارخ لسيادتهم؟
مصير مفاوضات وقف إطلاق النار
لا شك أن عملية الاغتيال ستثير تساؤلات حول مصير مفاوضات وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
ومن غير المرجح إلى حد كبير أن تقرر حماس إغلاق القناة القائمة، لأن هذا على الأرجح هو ما يأمل نتنياهو تحقيقه.
وتدرك قيادة حماس، سواء في غزة أو في الشتات، أن المؤسسة الإسرائيلية أصبحت الآن أكثر انقساماً بشأن الحرب في غزة مقارنة بما كانت عليه قبل عدة أشهر.
ومن الواضح أن نتنياهو لا يريد أن يرى نهاية للحرب إلا بعد اختفاء حماس ووضع غزة تحت السيطرة المباشرة لحكومته الائتلافية.
في المقابل لا تزال حماس تراهن على المزيد من التصدعات داخل المؤسسة الإسرائيلية بسبب الحرب.
المصدر: Middle East Eye