انفجارات لبنان: الإرهاب الإلكتروني الإسرائيلي يشير لاستراتيجية حربية جديدة
بعد أن عجزت دولة الاحتلال الإسرائيلي عن تحقيق نصر استراتيجي ضد حزب الله، لجأت إلى شكل مصغر من أسلحة الدمار الشامل والعقاب الجماعي في الشمال عبر الإرهاب الإلكتروني وهو ما يشير إلى استراتيجية حربية جديدة.
وقد أدى انفجار مئات من أجهزة الاتصالات التابعة لأعضاء حزب الله، بما في ذلك أجهزة النداء وأجهزة الراديو المحمولة، إلى قتل 30 شخصا على الأقل وإصابة 4500 آخرين، بما في ذلك أكثر من 400 في حالة حرجة في موجتين من الهجمات، وفقا لوزارة الصحة اللبنانية.
وقعت انفجارات متزامنة تقريبا الثلاثاء، على مساحة جغرافية واسعة في العاصمة اللبنانية وضواحيها وفي سوريا.
وتبع ذلك موجة جديدة من الانفجارات يوم الأربعاء، بما في ذلك في موكب جنازة لضحايا انفجارات أجهزة النداء الأولية.
وبعد فترة وجيزة، أعلن وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت بدء “مرحلة جديدة” في حربها على غزة ، حيث “يتحول مركز الثقل إلى الشمال من خلال تحويل الموارد والقوات”.
جرس إنذار مؤلم
إن هذه الهجمات القاتلة التي شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي تشكل جرس إنذار مؤلم لحزب الله ولبنان كدولة، ولها عدة تداعيات.
وتهدف “إسرائيل” إلى تغيير ميزان الردع القائم، وزرع الشك وخيبة الأمل في صفوف حزب الله، ودق إسفين بين المجموعة والمواطنين اللبنانيين من خلال سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.
وإن الهجوم المخطط على الأجهزة يذكرنا بعملية تخريب استهدفت أجهزة الطرد المركزي في مفاعلات تخصيب اليورانيوم الإيرانية.
فقد تمكنت “إسرائيل” من الوصول إلى مصنع للرقائق خارج البلاد وزرع متفجرات في الأجهزة التي فجرتها فيما بعد بمجرد تركيبها في المفاعل الإيراني.
لقد كانت “إسرائيل” تستعد للحرب على ” الجبهة الشمالية ” لسنوات، وخاصة منذ نهاية حربها على لبنان في عام 2006. وتفترض دولة الاحتلال أن الحرب مع حزب الله أمر لا مفر منه وضروري لتغيير الحقائق الأمنية والديموغرافية في الشمال.
وقد تندلع هذه الحرب في غضون أسابيع أو أشهر ـ وربما يتم التعجيل بها لتجنب الصعوبات المترتبة على شن غزو بري خلال موسم الشتاء المطير في حملة عسكرية من المرجح أن تستمر لفترة طويلة.
ووصف هجوم “إسرائيل” على شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله بأنه ” انتصار تكتيكي ” لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تعهد بتوسيع الحرب لتأمين الحدود الشمالية، حيث فر أكثر من 60 ألف إسرائيلي من منازلهم وسط هجمات صاروخية من حزب الله.
ومن خلال تفجير عبوات ناسفة في محلات السوبر ماركت في بيروت، وسيارات متحركة ومنازل، وفي مناطق مدنية مكتظة بالسكان، قررت “إسرائيل” اعتماد الإرهاب السيبراني وسياسة العقاب الجماعي في غزة كجزء من استراتيجيتها العسكرية ضد حزب الله.
وأعلنت أن حربها الوشيكة ستشن ضد لبنان بأكمله وشعبه، وأنها لن تميز بين مقاتلي حزب الله والمدنيين اللبنانيين، وسوف تستهدف الجميع دون تمييز.
فضلاً عن ذلك، وبما أن مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي صوت لصالح توسيع نطاق حربه إلى الجبهة الشمالية، فلن يكون من المستغرب أن تشن “إسرائيل” ضربة ضخمة على حزب الله ولبنان لردع أي رد انتقامي وتغيير قواعد الاشتباك وتوازن الردع بشكل جذري.
وبعد أسابيع من التقارير التي زعمت أن المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين يعملون على تخفيف التوترات مع لبنان لمنع اندلاع حرب شاملة، فإن الخطوة الإسرائيلية الأخيرة كذبت أي مزاعم بخفض التصعيد.
وعلاوة على ذلك، قد تكون مزاعم “إسرائيل” بالهدوء بعد الاحتجاجات الجماهيرية مضللة في سياق وضع أكثر توتراً وتصعيداً.
فعلى الصعيدين المحلي والسياسي في “إسرائيل”، خلقت الانفجارات نوعاً من الإجماع الوطني حول حكومة نتنياهو، مما أدى إلى تهميش الصراعات الداخلية داخل الحكومة مؤقتاً، وخاصة بين وزير الجيش ورئيس الوزراء.
وفي الوقت الحاضر، لا توجد أي مؤشرات على أن الواقع الاستراتيجي قد تغير: إذ لا يزال التوازن بين الردع وحملة الإرهاب قائما من خلال وسائل أخرى وعلى نطاق متصاعد.
يبدو أن “إسرائيل” أدركت أن قدرتها على تحقيق النصر الاستراتيجي والهيمنة الإقليمية من خلال الوسائل التقليدية آخذة في التضاؤل. وبدلاً من ذلك، لجأت إلى شكل مصغر من أسلحة الدمار الشامل واستهداف لبنان على نطاق واسع.
وقد تخدم هذه العملية كبديل مؤقت لحرب شاملة تهدف إلى تدمير دولة الاحتلال، لكن لا تستطيع “إسرائيل” ضمان نتائجها.
باختصار، نحن نشهد نموذجاً جديداً ومتطوراً في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية.