معالجات اخبارية

واشنطن تتجاهل الجرائم الإسرائيلية بحق الأسرى

منذ الشهر الأول من الحرب الإسرائيلية على غزة، كان سجن سدي تيمان، وهو معسكر عسكري إسرائيلي سري في صحراء النقب، يدق ناقوس الخطر لدى محامية حقوق الإنسان الإسرائيلية روني بيلي وغيرها من المدافعين عن حقوق الإنسان.

بدأت بيلي وزملاؤها في سماع تقارير من المبلغين عن المخالفات حول الظروف السيئة التي يعيشها الفلسطينيون الأسرى داخل سجن سدي تيمان.

وقد سمعوا عن حالات عنف ارتكبها جنود ضد الفلسطينيين المعتقلين، وفي إحدى الحالات توفي فلسطيني هناك.

ومنذ ذلك الحين، تزايدت التقارير الإعلامية عن السجن، مستشهدة بأقوال فلسطينيين معتقلين سابقاً ومخبرين إسرائيليين تحدثوا بمزيد من التفصيل عن الظروف المروعة داخل السجن.

تحقيق أمريكي يكشف المستور

وكشف تحقيق أجرته شبكة “سي إن إن” الأمريكية في مايو/أيار أن المعتقلين الفلسطينيين كانوا مقيدين ومعصوبي الأعين، وأجبروا على الجلوس وأحياناً الوقوف طوال الليل تحت أضواء كاشفة؛ وكان الفلسطينيون الجرحى يُربطون على الأسرة، ويُجبرون على ارتداء الحفاضات، ويُطعمون من خلال القش.

وكان الجنود يضربون المعتقلين بدافع الانتقام لهجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول؛ وكان الأسرى يُبتر أطرافهم بسبب الجروح غير المعالجة الناجمة عن القيود، وكانت مثل هذه العمليات تُجرى دون تخدير.

وفي وقت لاحق من شهر مايو/أيار، خلص تحقيق أجرته صحيفة إنترسبت إلى أن مئات الأطباء الفلسطينيين اختفوا في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، وتضمن التحقيق شهادة أحد الجراحين الذي تعرض للضرب والإساءة في سدي تيمان.

وبعد شهر، كشف تقرير منفصل نشرته صحيفة هآرتس أن القوات الإسرائيلية تحقق في وفاة 48 فلسطينياً من غزة كانوا في الحجز الإسرائيلي، من بينهم 36 كانوا محتجزين في سدي تيمان .

وبدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية تشير إلى السجن باعتباره “سجن غوانتانامو الإسرائيلي”.

وعلى إثر تقرير شبكة “سي إن إن”، قدم بيلي، الذي يمثل جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل، التماسا إلى المحكمة العليا في إسرائيل، نيابة عن خمس منظمات لحقوق الإنسان، للمطالبة بإصدار أمر حكومي بإغلاق مستوطنة “سديه تيمان”.

وقال بيلي: “لقد كان الأمر متطرفًا للغاية، ولم يكن بوسعنا تجاهله”.

صمت أمريكي مشين

في حين تحركت جماعات حقوق الإنسان داخل “إسرائيل” بقوة لحماية حقوق الفلسطينيين المعتقلين في معسكراتها العسكرية، وكذلك السجون داخل نظام السجون الحكومي الرسمي، أظهرت الولايات المتحدة القليل من الإلحاح بشأن هذه القضية.

ولم تعلق وزارة الخارجية الأميركية على تقرير سدي تيمان إلا بعد أن ضغط عليها الصحافيون بعد نشر تقرير سي إن إن.

وفي مايو/أيار، قال فيدانت باتيل، نائب المتحدث باسم الوزارة: “نحن ننظر في هذه المزاعم وغيرها من المزاعم المتعلقة بإساءة معاملة الفلسطينيين أثناء الاحتجاز”.

وأضاف أن الولايات المتحدة كانت “واضحة ومتسقة مع أي دولة، بما في ذلك “إسرائيل”، في أنها يجب أن تعامل جميع المعتقلين بإنسانية وكرامة، وفقاً للقانون الدولي، ويجب أن تحترم حقوق المعتقلين الإنسانية”.

وبعد تقرير صحيفة هآرتس عن عشرات الوفيات، لم يأت أي تعليق جديد.

وفي وقت لاحق من نفس الأسبوع في يونيو/حزيران، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقاً عن الظروف في سدي تيمان، والذي تضمن شهادات من أسرى سابقين بأن سجانيهم الإسرائيليين عذبوهم بالاغتصاب الشرجي بقضيب معدني، من بين انتهاكات أخرى.

وقد تم دفن هذه النتائج المتفجرة في القسم الأخير من القصة التي بلغت نحو أربعة آلاف كلمة، بعد مقدمة لم تذكر سوى “الضرب وغيره من الانتهاكات”.

ولم يعلق المسؤولون الأميركيون مرة أخرى على سجن سدي تيمان إلا بعد بث مقطع فيديو مسرب على شبكة الأخبار الإسرائيلية 12، والذي يظهر جنودا إسرائيليين يغتصبون رجلا فلسطينيا هناك، والضغوط اللاحقة من الصحفيين.

وردت وزارة الخارجية الأمريكية بدعوة الجيش الإسرائيلي للتحقيق بنفسه.

تم اعتقال عشرة جنود إسرائيليين ويواجهون اتهامات تتعلق بالاغتصاب الجماعي المزعوم.

كما تم اعتقال جندي آخر في اليوم التالي للاشتباه في ضربه فلسطينيين محتجزين معصوبي العينين ومقيدي الأيدي. ويُزعم أن الجندي قام بتصوير نفسه أثناء الحادث.

وأظهر تقرير جديد أصدرته منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” أن سجن سدي تيمان ليس السجن الإسرائيلي الوحيد الذي تعرض فيه فلسطينيون للتعذيب، وذلك استناداً إلى سنوات من التقارير التي تتحدث عن تعرض فلسطينيين للإساءة في السجون الإسرائيلية.

وعندما سُئل المتحدث باسم وزارة الخارجية مات ميلر في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء عما إذا كانت الولايات المتحدة ستطالب بإجراء تحقيق مستقل، في إشارة إلى التقرير، رفض التطرق إلى هذا الاحتمال.

وقال: “سيتعين علي أن أنظر إلى ما يطالب به الناس من تحقيق مستقل محدد وأصدر حكمًا على أساسه”. وأكد أن الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى التحقيق بنفسه.

إن الأدلة على الانتهاكات في سدي تيمان والسجون الأخرى ليست سوى أحدث ما تم الكشف عنه من انتهاكات من جانب الجيش الإسرائيلي، والتي تشمل مزاعم بارتكاب جرائم حرب ضد قادته من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

تمويل الحرب رغم الجرائم

وعلى الرغم من الأدلة، استمرت الولايات المتحدة في تمويل الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث أرسلت أكثر من 15 مليار دولار منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وقال إيتاي ماك، وهو محام إسرائيلي آخر متخصص في حقوق الإنسان، والذي مثل الفلسطينيين المسجونين لدى الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، إن الولايات المتحدة يجب أن تبذل المزيد من الجهود لمنع مثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان مثل تلك التي شهدناها في سدي تيمان.

وأشار إلى قدرتها على إصدار عقوبات، والتي يمكن أن تستهدف وحدات عسكرية فردية محددة. والجنود الإسرائيليون العشرة الذين تم اعتقالهم في قضية الاغتصاب الجماعي المزعومة في سدي تيمان هم جزء من وحدة القوة 100 التابعة للجيش الإسرائيلي.

وقد فرضت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين الذين يرتكبون العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تضاعف عدد الأسرى الفلسطينيين تقريباً، من 5192 أسيراً قبل الحرب إلى 9623 أسيراً اعتباراً من أوائل يوليو/تموز، الأمر الذي أدى إلى تفاقم مشكلة الاكتظاظ التي كانت قائمة من قبل، وفقاً لمنظمة حقوق الإنسان هموكيد الإسرائيلية

ويحتجز أكثر من 4000 سجين فلسطيني تحت الاعتقال الإداري، حيث يتم احتجاز الأفراد إلى أجل غير مسمى دون توجيه أي اتهام إليهم. ويتم إطلاق سراح العديد منهم بعد أسابيع من الاعتقال دون توجيه أي اتهام إليهم.

المصدر/ صحيفة إنترسبت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى