تحليلات واراء

بنوك السلطة الفلسطينية تعمق حصار غزة في خضم حرب الإبادة

عمدت البنوك التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله بشكل صارخ على تعميق حصار غزة ومضاعفة معاناة أهلها في خضم حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع المستمرة منذ أكثر عشرة أشهر.

ووجد مواطنو قطاع غزة أنفسهم في مواجهة حرب أخرى تتعلق بأزمة نفاد السيولة النقدية وتلف العملة النقدية وامتناع سلطة النقد الفلسطينية والبنوك التابعة لها عن القيام بمسئوليتها في إدخال السيولة النقدية.

وعلى مدار أشهر الحرب، لجأت تلك البنوك إلى فرض إجراءات مشددة تقتضي بتقييد تحويل الأموال عبر الحسابات من قطاع غزة إلى الضفة الغربية والعكس وذلك في إطار التنغيص على المواطنين وتقويض صمودهم.

ولم تكتف بنوك السلطة الفلسطينية بذلك، بل إنها عمدت إلى عرقلة وتقييد الحوالات المالية المرسلة من خارج قطاع غزة إلى حسابات مواطنيه في تواطؤ صريح منها في تشديد الحصار.

وحتى في حال النجاح باستلام حوالة مالية موجهة للمواطنين لمساعدتهم في مواجهة الحرب وتداعياتها، فإن البنوك فرضت نسبة عمولة عالية على سحب الأموال وصلت من 5 إلى 15 في المائة من دون حسيب أو رقيب.

كما يضطر غالبية المواطنين في قطاع غزة الذين يحتاجون إلى سحب مدّخراتهم ورواتبهم من البنوك، إلى دفع مبالغ تتجاوز قيمتها ما بين 5 إلى 10 في المائة، من قيمة هذه الأموال، لأشخاص أو محال صرافة تمتلك سيولة نقدية، بدلا من سحب كامل قيمة أموالهم.

بل يكشف الناشط في مبادرات إنسانية في شمال قطاع غزة وافي البطران إن بعض البنوك ومحلات صرافة متعاونة معها وصلت حد فرض نسبة عمولة من 20 إلى 25 في المائة مقابل سحب مساعدات مالية لمواطنين تصل إلى المواطنين من منظمات دولية مثل اليونيسيف وغيرها.

سرقة علنية لأموال المواطنين

أدى استهداف الاحتلال للأنظمة المصرفية والمالية بقطاع غزة، وتدمير عشرات مكاتب الصرافة، وآلات الصرف، وحظر وصول الحوالات المالية لسكان غزة، وغياب الدور الرقابي من قبل الجهات المختصة في رام الله، إلى انتشار الفوضى وتغول المصارف ومكاتب الصرافة، ورفع نسبة الخصم المالي كعمولات عن المبالغ التي يسعى المواطنون للحصول عليها نقدًا.

ويمثل أبرز عناوين معاناة سكان قطاع غزة تقييد تعاملات مواطنيه ممن يملكون حسابات في بنك فلسطين. إذ لوحظ توقف تطبيق بنك فلسطين خلال التحديث الاخير وإضافة شروط جديدة للاستعمال.

وتتضمن تلك الشروط منع فتح الحساب على أكثر من جهاز والأجهزة القديمة تمت إزالتها تلقائيا، وتقليص حدود السحب من ٢٠ حركة شهريا إلى ٣ حركات أسبوعيا فقط مع عدم تجاوز الحركة مبلغ ١٥٠٠ شيكل فقط وإلا سيتم إغلاق الحساب.

فيما السبب الأكثر شيوعا عدم تحديث التطبيق لأخر نسخه خلال ٧ أيام من دون مراعاة انقطاع الانترنت والكهرباء عن المواطنين في قطاع غزة بفعل العدوان الإسرائيلي.

تواطؤ صريح من سلطة النقد

يبرز المختص الاقتصادي من غزة أحمد أبو قمر أنه منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة وجميع إجراءات سلطة النقد تدلل على أنها شريكة بمعاناة المواطنين في القطاع.

ويشير أبو قمر إلى أنه على مدار 9 شهور لم تستطع سلطة النقد توفير أي سيولة للأسواق المحلية في قطاع غزة ولا حتى حل أزمة العملة التالفة، واكتفت ببيان منها بعد صمت دام 6 أشهر من الحرب لتعبّر عن أسفها من تلاعب التجار بالعمولة المرتفعة دون إعلانها عن أي إجراءات لتحد من ذلك أو تقول للجمهور كيف يتصرف.

ويضيف أنه بعد ذلك بشهر خرجت سلطة النقد ببيان لتقول إنها عملت على نظام جديد للتسويات المالية “بحيث كأننا نعيش في سنغافورة في وقت سلطة النقد تعلم تماما أن مثل هذه الأنظمة لا تتماشى مع حياة عامة الناس الذين لا يوجد لديهم انترنت ولا كهرباء أصلا”.

ويشدد أبو قمر على أن بنوك السلطة الفلسطينية تعمل ما يحلو لها من تقييد لحركة الحوالات وإغلاق حسابات دون مبرر قانوني أو إنساني، في وقت تكتفي سلطة النقد بالمراقبة من بعيد فقط وهي تشاهد حجم الظلم الذي يقع على مواطني القطاع.

نفاد السيولة من غزة

يعاني المواطنون في قطاع غزة من تداعيات شح النقد المالي في وقت تنتشر العملات الممزقة والمهترئة والتي لا يقبلها الباعة لأنهم غير قادرين على إيداعها في البنوك.

وأدى منع دخول الأموال إلى غزة إلى تلف كميات ضخمة من الأموال الورقية والمعدنية نتيجة التداول غير السليم وعدم استبدال الأوراق النقدية التالفة من النظام المصرفي بسبب تعطل أعمال النظام المصرفي.

وتمثل أزمة السيولة إحدى الأدوات الخشنة التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي لخنق سكان قطاع غزة بالأساس، وهي تفضح هشاشة المؤسسات النقدية التابعة للسلطة الفلسطينية ومخاطر انهيارها أو تعطلها أي لحظة، في ظل التبعية والسيطرة الكاملة للاحتلال عليها.

ومنذ بدء الحرب لم تحصل غزة على نصيبها من أموال المقاصة. فالسلطات الإسرائيلية ترفض تحويل قيمة الأموال المخصصة لقطاع غزة إلى سلطة النقد الفلسطينية.

وكانت وزارة المالية الفلسطينية أعلنت في بداية شهر نوفمبر 2023 أن وزارة المالية الإسرائيلية خصمت مبلغ 600 مليون شيكل من أموال المقاصة الشهرية “بذريعة أن جزءا من هذا المبلغ يشمل رواتب ومخصصات موظفين ومصاريف لقطاع غزة.” كما جاء في البيان.

وهدد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بحرمان السلطة الفلسطينية من كامل أموال المقاصة إذا دخل “شيكل واحد” إلى غزة.

في المقابل استمر خروج النقد من القطاع عبر الدفع للمواد التجارية التي سمح بدخولها للقطاع الخاص داخل القطاع، أو المبالغ الكبيرة التي دفعها مواطنون للسفر عبر معبر رفح قبل إغلاقه في مايو الماضي.

ويشار إلى أنه قبل الحرب كانت الأوراق النقدية التالفة والمهترئة تستبدل بأوراق جديدة ضمن التنسيق الفلسطيني الإسرائيلي في هذا المجال. لكن هذا لم يحدث منذ بداية الحرب، اهترت الأوراق النقدية فبات التجار يرفضونها وأصبحت لا قيمة لها.

ويبرز مراقبون اقتصاديون أن أزمة السيولة في قطاع غزة مرتبطة بحالة الحصار الإسرائيلي على القطاع منذ حرب الإبادة والحصار المحكم على النظام المصرفي، وتدمير أكثر من 50% من مكاتب ومقار المصارف.

وشكل ذلك أزمة خطيرة وخانقة لها انعكاسات كبيرة على المواطنين في قطاع غزة وحرمهم من الحصول على أموالهم الخاصة من النظام المصرفي في وقت امتنعت البنوك وسلطة النقد عن اتخاذ أي إجراءات للتقليل من الأزمة.

ومعروف أن البنوك في قطاع غزة والضفة الغربية تخضع لإشراف سلطة النقد الفلسطينية إلا أنها تبقى تحت هيمنة شبه مطلقة للبنك الإسرائيلي المركزي وفقا لإطار باريس الاقتصادي الموقع عام 1994.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى