
في الوقت الذي يتعرض فيه قطاع غزة لحرب إبادة ممنهجة منذ أكثر من عام ونصف، يجد الأردنيون أنفسهم في مواجهة غير مبررة مع أجهزة أمن بلادهم، كلما حاولوا التعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين.
فبدلًا من أن تتبنى الحكومة الأردنية موقفًا حقيقيًا يعكس نبض الشارع، تواصل قمع الحريات، وتفرض طوقًا أمنيًا خانقًا حول كل محاولة للتعبير عن الغضب أو النخوة.
قمع التظاهرات الداعمة لفلسطين
وانتشرت قوات الأمن الأردنية بشكل مكثف على الطرق المؤدية إلى مناطق الأغوار، بعد دعوات شعبية للتوجه نحو الحدود الأردنية الفلسطينية دعماً لغزة.
ووفقًا لمصادر ميدانية، قامت الأجهزة الأمنية بإغلاق الطرق القادمة من إربد، عمّان، والكرك، وتوقيف السيارات والتحقيق مع السائقين، في محاولة واضحة لمنع وصول المتظاهرين إلى منطقة الفعالية التي دعا لها “التجمع الوطني لدعم المقاومة”.
وهذه الإجراءات الأمنية أثارت حالة من الغضب في الشارع الأردني، خصوصًا أنها جاءت في وقت حرج يحتاج فيه الشعب الفلسطيني كل دعم ممكن، لا سيما من الدول المحيطة التي لطالما اعتبرت نفسها حامية للقضية.
اعتقال فتاة بسبب وقفة أمام سفارة الاحتلال
وفي تطور أثار موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، أوقف مدعي عام العاصمة الأردنية، فتاة شاركت في وقفة احتجاجية أمام سفارة الاحتلال الإسرائيلي في عمّان، لمدة أسبوع في مركز إصلاح وتأهيل الجويدة – النساء.
وقد وُجهت لها تهم “التجمهر غير المشروع”، و”التحريض على النزاع وبث الفرقة”، و”ذم هيئة رسمية”، و”تحقير رجال الأمن العام”.
وبحسب بيان رسمي لمديرية الأمن العام، ظهرت الفتاة في مقطع فيديو “تسيء فيه لرجال الأمن” خلال مظاهرة بمنطقة الرابية، وهو ما استُخدم ذريعة لاعتقالها، رغم أن الوقفة جاءت ضمن موجة احتجاجات واسعة شهدتها عمّان وعدة محافظات، طالبت بإلغاء اتفاقية وادي عربة وطرد السفير الإسرائيلي.
وتوقيف الفتاة لم يكن مجرد اعتقال فردي، بل مؤشر على تصعيد ممنهج يهدف إلى تكميم الأفواه وتخويف الناشطين، خاصة في محيط السفارة الإسرائيلية الذي يشهد باستمرار احتجاجات تطالب بوقف التطبيع وكل أشكال التعاون مع الاحتلال.
ازدواجية الموقف
ورغم أن الحكومة الأردنية تكرر في تصريحاتها دعمها لـ”الحق في التظاهر السلمي”، فإن ما يحدث على الأرض يناقض تمامًا هذا الخطاب.
وتوقيف فتاة لمجرد مشاركتها في وقفة احتجاجية سلمية، يُشكل انتهاكًا صريحًا لحرية التعبير وحق التجمع المكفولين في القوانين الدولية، وهو ما أشار إليه محامون وحقوقيون أردنيون، مؤكدين أن اعتقالها يعكس توجهًا خطيرًا في التعامل مع الحراك الشعبي المتضامن مع غزة.
وتتناقض الممارسات الأمنية مع الخطاب السياسي الذي تحاول الحكومة الأردنية الترويج له دوليًا. فكيف تدّعي السلطة دعمها لغزة بينما تعتقل أبناءها وتغلق الطرق بوجههم عندما يحاولون دعمها؟، هل بات التضامن مع فلسطين “جريمة” تستوجب الاعتقال؟ وهل يعقل أن تُدان فتاة بسبب صرخة غضب أطلقتها أمام سفارة احتلال مجرم يُبيد الأطفال في غزة؟.
ما يحدث في الأردن هذه الأيام يضع الحكومة أمام اختبار تاريخي. فإما أن تنحاز فعليًا إلى الشعوب وتفتح المجال أمامهم للتعبير، أو تواصل النهج الأمني الذي لا يخدم سوى الاحتلال.