الانتصارات التكتيكية ل”إسرائيل” مهددة بالتحول إلى خسائر استراتيجية
إن النجاحات التكتيكية التي حققتها دولة الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك اغتيال قادة رئيسيين في حزب الله اللبناني أو المقاومة الفلسطينية، لن تغير الديناميكيات الأساسية للصراع وهي مهددة بأن تتحول إلى خسائر استراتيجية.
وقد ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا إلى الزعم أن اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله “كان خطوة نحو تغيير توازن القوى في المنطقة لسنوات قادمة”.
ومع ذلك، بعد أيام قليلة، شنت إيران هجومًا صاروخيًا ضخمًا على دولة الاحتلال، متجاوزة دفاعاتها الجوية الهائلة، مما يشير إلى التكاليف والمخاطر المرتفعة لمزيد من التصعيد بالنسبة لتل أبيب.
النضال الفلسطيني المتطور
في الواقع، ورغم أن “إسرائيل” حققت انتصارات تكتيكية كبيرة في الأسابيع الأخيرة، فإن السؤال الأوسع يظل قائما: هل يمكن لهذه النجاحات أن تغير بشكل جذري ديناميكيات المنطقة الاستراتيجية؟.
في قلب هذا الصراع يكمن تحد أعمق: النضال الفلسطيني المتطور. وكما أشار عميشاي أيالون، رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي السابق شين بيت، في مقابلة أجريت معه مؤخراً، فإن الفلسطينيين لا ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم يقاومون القمع أو يسعون إلى الإغاثة الفورية من المصاعب فحسب. بل إنهم ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم أمة تناضل من أجل الاستقلال.
وقد عبر أيالون عن هذا التحول حين قال: “إن الفلسطينيين اليوم ــ ليس حماس فحسب ، بل كلهم ــ على استعداد للقتال والموت، ليس من أجل الغذاء، بل من أجل إنهاء الاحتلال أو تحقيق الاستقلال. ومنذ اللحظة التي ينظرون فيها إلى أنفسهم كأمة، تصبح الحرب مختلفة تماما”.
إن هذه الملاحظة تشير إلى نمط تاريخي أوسع: فعندما تنشأ الحركات الوطنية التي تناضل من أجل تقرير المصير، فإن القوة العسكرية التقليدية وحدها لا تكفي في كثير من الأحيان لقمعها.
وسواء في فيتنام أو أفغانستان أو الصراع المطول في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد أظهرت قوات حرب العصابات التي تعاني من مظالم قومية عميقة وتحظى بدعم شعبي قدرة على الصمود، فظلت صامدة لفترة أطول من الجيوش الحكومية على الرغم من الصعوبات الساحقة.
لا اختراقات استراتيجية
لقد فشلت النجاحات التكتيكية التي حققتها دولة الاحتلال مؤخراً، رغم كونها مبهرة، في تحقيق الاختراقات الاستراتيجية التي يسعى نتنياهو إلى تحقيقها.
فرغم تدمير أجزاء من قيادات حزب الله، لم تتمكن القوات الإسرائيلية من تحقيق أحد أهدافها الأساسية: دفع حزب الله إلى الشمال من نهر الليطاني لتأمين شمال دولة الاحتلال.
ويؤدي هذا الفشل إلى عدم تمكن النازحين الإسرائيليين من العودة إلى ديارهم، في حين لا يزال وجود حزب الله وقدراته على حاله.
وفي الأيام الأخيرة، صعد حزب الله هجماته على دولة الاحتلال بشكل حاد، فشن هجمات في عمق الأراضي الإسرائيلية وصدّ غزواً برياً إسرائيلياً.
وأسفر هجوم إسرائيلي واحد عن مقتل ثمانية جنود إسرائيليين على الأقل، مع تقارير عن انسحاب قوات الاحتلال في وقت لاحق.
وفي الوقت نفسه، تواصل حركة حماس والمقاومة الفلسطينية إظهار قدرتها على الصمود في غزة، حيث تشن هجمات منتظمة على القوات الإسرائيلية.
وكما اعترف جنرال إسرائيلي سابق مؤخراً، فإن حماس استعادت مناطق واسعة في قطاع غزة في غضون “خمس عشرة دقيقة” من الانسحابات الإسرائيلية، وهو ما يؤكد قوة الحركة الدائمة وحدود المكاسب التكتيكية التي حققتها دولة الاحتلال في تأمين السيطرة الدائمة.
السياق الإقليمي أكثر تعقيدا
إن السياق الإقليمي الأوسع يزيد من تعقيد الأهداف الإسرائيلية. فقد أثبتت إيران مرة أخرى قدرتها على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتطورة بضربة صاروخية ألحقت أضراراً جسيمة.
وقد انتشرت مقاطع فيديو تظهر العديد من الصواريخ وهي تضرب أهدافها، مما يؤكد التكاليف الباهظة المترتبة على الصراع الشامل مع إيران.
إن هدف طهران هو إرساء توازن جديد للردع، وهو ما سوف تحققه إذا امتنعت (إسرائيل) عن شن هجوم انتقامي كبير على إيران في المستقبل القريب. ولكن حتى لو تم التوصل إلى هذا التوازن، فمن المرجح أن يكون غير مستقر للغاية ومؤقتا طالما استمر القتال في غزة ولبنان.
فضلاً عن ذلك، ورغم أن هيمنة (إسرائيل) على القوة الجوية والاستخبارات ضد خصومها لا جدال فيها، فإن هذه المزايا لا تترجم بالكامل إلى حرب برية، حيث يصبح الموقف أكثر صعوبة.
إن قدرة حزب الله على الصمود، والتي تتجلى من خلال هجماته المستمرة وصده الناجح للغزو البري الإسرائيلي، تؤكد الصعوبات التي تواجهها (إسرائيل) في تأمين مكاسب إقليمية وعسكرية دائمة. وهذا يجعل الأهداف الاستراتيجية الأوسع لإسرائيل، مثل دفع حزب الله إلى الشمال من نهر الليطاني، بعيدة المنال على نحو متزايد.
والحقيقة هي أن أركان محور المقاومة يخوضون حرب استنزاف غير متكافئة، وهي استراتيجية أثبتت فعاليتها ضد قوات الدولة التقليدية طوال التاريخ الحديث.
صراع استنزاف طويل
إن نهج محور المقاومة في التعامل مع هذا الصراع مصمم بحيث يدوم لفترة طويلة بالاعتماد على نقاط الضعف الإسرائيلية. وكما حدث في فيتنام أو أفغانستان، فإن الجيوش التقليدية ــ على الرغم من تفوقها التكنولوجي والقوة النارية ــ غالباً ما تكون مقيدة بالضغوط السياسية والاقتصادية التي تواجهها الدولة المحتلة.
إن الطريق أمام (إسرائيل) أصبح أكثر غموضاً. ولتحقيق رؤية نتنياهو بشأن “الشرق الأوسط الجديد”، يتعين على دولة الاحتلال أن تواجه ليس فقط التهديدات العسكرية المباشرة، بل وأيضاً الطموحات القومية المتجذرة التي تغذي مقاومة خصومها.
والواقع أن الفشل في معالجة هذه المظالم الأساسية أدى إلى إيقاع (إسرائيل) في فخ صراع مكلف دائم ــ صراع لا تستطيع القوة العسكرية وحدها أن تضمن فيه سلاماً حاسماً أو دائماً.
ولضمان مكاسب استراتيجية طويلة الأجل وأمن دائم، يتعين على (إسرائيل) أن تفكر في نهج بديل يتجاوز القوة العسكرية.
فمن خلال إنهاء الحرب على غزة ــ وهي الخطوة التي أشار حزب الله والحوثيون اليمنيون إلى أنها ستوقف هجماتهم ــ قد تفتح (إسرائيل) الطريق أمام سلام أوسع نطاقا. وهذا من شأنه أن يخلق المساحة اللازمة للتفاوض على حل الدولتين مع الفلسطينيين.
نقلا عن صحيفة الجارديان