التناقض الصارخ يحكم السلطة الفلسطينية: قمع المقاومة واحتفالات صاخبة لقياداتها
يبرز التناقض الصارخ الذي يحكم السلطة الفلسطينية في وقت تقمع فيه بلا هوده كل أشكال المقاومة في الضفة الغربية المحتلة بينما لا تخجل من تنظيم احتفالات صاخبة لقياداتها وعوائلهم دون مراعاة لما يجرى من حرب إبادة إسرائيلية وشلال دم نازف منذ أكثر من عام في قطاع غزة.
ليلة السبت/الأحد كانت شاهدة على التناقض الصارخ للسلطة الفلسطينية التي اعتقلت أجهزتها الأمنية المطاردين للاحتلال عبادة المصري وبكر عباس، بعد حصارهما لساعات واشتباك مسلح في مدينة طوباس طوباس.
وأفادت مصادر محلية بأن قوة أمنية تابعة للسلطة اعتقلت المقاومين في كتيبة طوباس المصري وعباس بعد حصار واشتباك مسلح لساعات بمنزل في المدينة.
وقد فجرت الجريمة الجديدة لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية حالة من الغضب الشديد والحنق في وقت كرست السلطة نفسها وكيلا أمنيا ينفذ جرائم الاحتلال القذرة.
وكان بيان نشره “أحرار طوباس” دعا إلى مواجهة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية “العميلة” و”الخائنة” على خلفية جرائمها بحق المقاومة وكوادرها في الضفة الغربية المحتلة.
وطالب البيان كل الأحرار والشرفاء بالتحرك الفوري والعاجل لفك حصار أجهزة السلطة عن اثنين من المقاومين من كتيبة طوباس بمنزل في المدينة.
احتفال حتى الفجر
في وقت كان يتم فيه اعتقال المقاومين في إطار مسلسل ملاحقة المقاومة، اجتمعت قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركة فتح في احتفال حتى الفجر شهده فندق الكرمل (خمس نجوم) لحضور خطوبة “إبراهيم” نجل رئيس الوزراء السابق عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية.
وبرز من أهم الشخصيات التي حضرت، وزراء في الحكومة، وقيادة من حركة فتح أبرزهم عزام الأحمد وأبو جهاد العالول وصبري صيدم وحسين الشيخ ومحمد مصطفى وروحي فتوح وليلى غنام وأحمد عساف ورياض المالكي بالإضافة إلى رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج وغيرهم.
وشهد حفل الخطوبة غناء صاخب مصحوباً بفقرات من الرقص، غير مراعين على الأقل مشاعر من يبادون في قطاع غزة منذ أكثر من عام، وفي اللحظة الذي كان يرتكب بها جيش الاحتلال مجزرةً في مشروع بيت لاهيا راح ضحيتها أكثر من 70 شهيداً وعشرات المفقودين تحت الركام، ومجزرة أخرى في مخيم جباليا الذي يباد منذ أكثر من أسبوعين.
وقيادة السلطة والتي لم تجتمع إلا مرات قليلة من أجل حرب الإبادة التي تشن على قطاع غزة من قبل جيش الاحتلال، لم يصدر عنها أي موقف أو بيان، ولم تقم بأي تحرك جدي لوقف الإبادة.
في حين يسارع قادتها ليطوفوا العالم للاستيلاء على أموال الإعمار، ولحجز مقعد لهم في ما يسمى بـ”اليوم التالي” للحرب، ولو أتوا على ظهر دبابة إسرائيلية.
غضب شعبي واسع
أشعل حفل الخطوبة الذي لنجل اشتية وسط رقص وتعري؛ موجة غضب واستياء شديدين على مواقع التواصل الاجتماعي في ظل تجاهله الدم الفلسطيني النازف بشدة في غزة والضفة الغربية.
ورأى مغردون أن توقيت الحفل وطريقة عرضه تؤكد أن السلطة وفتح تحاولان منع الضفة الغربية من التعبير عن التضامن مع قطاع غزة وإظهار أن الحياة تسير عادية فيها دون تأثر رغم الوضع الكارثي منذ 7 أكتوبر 2023.
وفي الفيديو الذي انتشرت لقطاته على نطاق واسع وقوبلت بانتقادات لاذعة؛ يظهر حشد كبير من كبار قادة السلطة وفتح في فندق فاخر في مدينة رام الله لحضور مراسم خطوبة نجل رئيس الوزراء السابق ثم يظهر العروسان أثناء وصلة رقص.
وأجمع المغردون على أن مثل هذه الاحتفالات محاولة لفصل معاناة الشعب الواحد الذي يقع تحت الاحتلال، إذ لا يفصل قطاع غزة عن مدينة رام الله سوى عشرات الكيلومترات.
وأثار مشهد الحفل الراقص حالة من الغضب في أوساط الشارع الفلسطيني، الذي اعتبر أن تلك القيادة لا علاقة بينها وبين الشعب.
خيانة لدماء الشهداء
من غزة إلى الضفة الغربية إلى لبنان وسوريا وحتى في العراق واليمن تسال الدماء بشدة ويتصاعد التغول الإسرائيلي ويتم رسم ترتيبات إقليمية قد تغير وجه المنطقة، فيما السلطة الفلسطينية وقيادتها في رام الله في واد آخر.
تنشغل السلطة فقط جهارا وفي وقت تستباح فيه مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، بملاحقة المقاومين ومصادرة سلاحهم، وكيف تتطوع من أجل كشف الكمائن المعدة من مقاومين يخاطرون بأرواحهم لمحاولة التصدي للاحتلال الإسرائيلي خلال توغلاته.
من ذلك ما تشهده الضفة الغربية من إتلاف الأجهزة الأمنية للسلطة عبوات ناسفة معدة للتصدي لآليات جيش الاحتلال.
وخلال الشهور الماضية؛ سجلت فصائل المقاومة في الضفة الغربية عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي بتفجير العبوات بعدد غير مسبوق من الآليات المتوغلة سواء في جنين وطولكرم ونابلس، وهو ما استدعى رد فعل واسع من السلطة الفلسطينية لمنع الأمر.
وضع بائس
لذلك ليس غريبا أن يسخر محللون ومراقبون حتى من قلب رام الله من الوضع البائس للسلطة الفلسطينية والمنظمات الرسمية التي تمثل الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الفاصلة وهل هي معه أو تطعن في ظهره.
ويصف مدير مركز مسارات للبحوث والدراسات ومقره رام الله هاني المصري إن السلطة الفلسطينية بأنها معاقة وقد ولدت منذ اليوم الأول كذلك كونها نتاج اتفاق مختل لا بد أن يؤدي الى نتائج خاطئة”.
لكن المصري يشدد على أن سوء وضع السلطة الفلسطينية يمكن تصنيفه إلى مرحلة الرئيس محمود عباس بداية من انتخابه عام 2004 وكيف تعزز التزامها من جانب واحد بالالتزامات المترتبة لكن بناء على قاعدة الأمن والتنسيق الأمني المقدس.
وبينما يرى المصري أن عدة سيناريوهات تنتظر السلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة أولها بقائها على ما هي عليه متعاونة وتقوم بدور وظيفي مع فقدانها لمصادر شرعيتها، وثانيها تعرضها للانهيار فيما السيناريو الثالث تحول السلطة من متعاونة إلى عميلة علنيا.
معارضة شعبية صريحة
وبغض النظر عن مستقبل الأيام فإن وضع السلطة الفلسطينية يبدو صريحا بالنظر إلى نتائج الاستطلاعات الدورية للرأي العام التي تظهر مطالبة أغلبية الفلسطينيين باستقالة عباس وحل السلطة وترفض نهج أجهزتها الأمنية.
يضاف إلى ذلك مواقف الفصائل والمؤسسات الشعبية ومطالبتها شبه اليومية للسلطة بالتوقف عن سلوكياتها المشبوهة عبر ملاحقة المقاومين وتفكيك العبوات الناسفة التي يتم زرعها في طريق آليات الاحتلال.
وبهذا الصدد أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في بيان أن سلوكيات أمن السلطة الفلسطينية تعد “تساوقاً كاملاً مع الاحتلال، ومشاركة عملية في العدوان الغاشم على أرضنا وشعبنا”.
وأبرزت الحركة “حجم التناقض” بين سلوك أجهزة السلطة والواقع الذي تحياه القرى والمخيمات والمدن في الضفة الغربية ما يؤكد “مدى الحاجة لدعم كل جهدٍ مقاوم؛ بدلاً من ملاحقة المقاومين وتفكيك عبواتهم”.
عاجزة وبلا استراتيجية
أدى التصعيد الشديد في الهجمات الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة إلى إضعاف السلطة الفلسطينية أكثر وجعلها في حالة من عدم الاستقرار في وقت تبدو قيادتها منعزلة وعاجزة وبلا استراتيجية.
والأشد من ذلك أن تمسك قيادة السلطة بالتنسيق الأمني بل والعمل العلني ضد فصائل المقاومة أضعفها أكثر وجعلها في وضع بائس داخليا وخارجيا.
ومنذ أسابيع أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي أكبر عملية عسكرية في الضفة الغربية منذ عام 2002 وهاجم جنين وطولكرم وطوباس ومدن وقرى أخرى.
وهذه هي الخطوة الأخيرة في إطار هجوم إسرائيلي أوسع نطاقاً، يتميز بالاعتقالات والقتل بشكل يومي تقريباً، في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية منذ بدء حرب الإبادة على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي حين أن الرئيس محمود عباس وإدارة السلطة الفلسطينية يدينون الغارات الإسرائيلية بشكل متكرر، فإنهم ظلوا عاجزين وبلا أي رد فعل إلى حد كبير عن مواجهتها.
قال جمال جمعة، وهو ناشط ومحلل فلسطيني بارز “كانت تصرفات السلطة الفلسطينية ولا تزال سلبية تماما”.
وأبرز جمعة أن السلطة الفلسطينية، رداً على تصرفات الاحتلال الإسرائيلي قامت بالفعل باعتقال شباب مطلوبين للسلطات الإسرائيلية.
وبحسب جمعة “أتصور أن بعض الغضب الموجه حاليا نحو الاحتلال سينتقل نحو السلطة الفلسطينية عاجلا أو أجلا”.
وذكر أن إدارة السلطة “كانت عدوانية تجاه الشعب الفلسطيني” و”كان ينظر إليها على أنها متواطئة في الهجمات”، بما في ذلك من خلال تقديم المعلومات الاستخباراتية لإسرائيل.
وتوظف السلطة الفلسطينية، 21% من القوة العاملة الفلسطينية. ومع ذلك، فقد واجهت صعوبة في دفع الرواتب في السنوات الأخيرة بسبب حجب الحكومة الإسرائيلية لعائدات الضرائب.
وتسعى دولة الاحتلال إلى “تقليص دور السلطة الفلسطينية” إلى شيء أشبه بالبلديات بدلاً من هيئة سياسية أكبر، بحسب عضو بارز في حركة فتح تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.
وقال إن (إسرائيل) لا تريد تفكيك السلطة الفلسطينية بشكل كامل، بل تهدف إلى جعلها عاجزة تخدم فقط التنسيق الأمني.
وتابع “يريد الإسرائيليون إبقاء السلطة الفلسطينية على حالها العاري ـ معطلة ولكنها لا تنهار تماما، ولكن النهج الإسرائيلي يجعل انهيار السلطة الفلسطينية أمراً لا مفر منه”.