مبادرة حماس لإطلاق سراح أسير مزدوج الجنسية يفاقم أزمة نتنياهو

أعلنت حركة “حماس” استعداها للإفراج عن الأسير مزدوج الجنسية (الأمريكية والإسرائيلي) “عيدان ألكسندر” ورفات أربعة أسرى إسرائيليين آخرين متوفين يحملون أيضًا جنسية مزدوجة للدفع للمضي في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
في المقابل، ستفرج دولة الاحتلال الإسرائيلي عن دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين. إلا أن السبب الحقيقي وراء مضي حماس قدمًا في عملية الإفراج يمكن استخلاصه من الأحداث التي سبقت هذا الإعلان.
ونقلت مصادر مطلعة إنه بعد رفض حماس في البداية عرضًا سابقًا من المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف بالإفراج عن نصف الأسرى الإسرائيليين المتبقين لديها، اقتصر المطلب الجديد على خمسة أسرى فقط – عيدان ألكسندر وجثثهم الأربعة.
وأضاف المصدر أنه في مقابل الإفراج عنهم، ستُمضي المفاوضات قدمًا بشأن المرحلة الثانية المُرتقبة من وقف إطلاق النار، والتي تهدف إلى إنهاء الحرب نهائيًا. ونُقل عن المصدر نفسه قوله إن حماس طالبت “بخارطة طريق واضحة لمحادثات المرحلة الثانية”. ويُعدّ إطلاق سراح ألكسندر الخطوة الأولى في دفع هذه العملية قدمًا.
هذا التطور وضع الحكومة الإسرائيلية في مأزق، كما ذكرت صحيفة هآرتس ، نظرًا لرفضها الدخول في المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار أو التفكير في إنهاء دائم للحرب.
وعقب بيان حماس، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الحركة تمارس “التلاعب” و”الحرب النفسية”، وأن حماس “متمسكة برفضها ولم تتزحزح قيد أنملة “، مشيرًا إلى رفض حماس السابق “لاقتراحات ويتكوف”.
وقد دخلت محادثات وقف إطلاق النار مرحلة جديدة في وقت سابق من هذا الأسبوع، حيث عاد المفاوضون إلى الدوحة يوم الاثنين لمناقشة إمكانية التوصل إلى هدنة طويلة الأمد بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس.
ومدد المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إقامته في المنطقة حتى نهاية الأسبوع لدفع المفاوضات قدمًا.
كما أرسلت “إسرائيل” فريقًا تفاوضيًا، يضم منسق شؤون الأسرى في الحكومة الإسرائيلية، ومسؤولًا لم يُكشف عن هويته في جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي، والمستشار السياسي لنتنياهو، أوفير فالك.
وركزت الجولة الجديدة من المحادثات على مقترح جديد قدمه ويتكوف، يتضمن تبادل دفعة جديدة من الأسرى وتمديد وقف إطلاق النار لعدد غير محدد من الأسابيع.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بإحراز تقدم طفيف في المفاوضات، بينما أعلنت حماس في بيان يوم الثلاثاء أنها “تتعامل بإيجابية ومسؤولية” مع جميع المقترحات، آملةً أن تُفضي المحادثات إلى إنهاء الحرب. كما دعت الحركة إلى الضغط لإنهاء الحرب.
يأتي استئناف المفاوضات في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي في منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة منذ أكثر من أسبوعين عقب انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
وقد أدى إغلاق جميع المعابر المؤدية إلى غزة ومنع وصول المساعدات إلى نقص في الغذاء والوقود، وإغلاق المخابز في القطاع، بالإضافة إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية الأساسية.
ويوم الاثنين، حذر فيليب لازاريني، رئيس وكالة الأمم المتحدة “الأونروا”، من أن الوضع الإنساني في غزة “يتدهور بسرعة كبيرة”، مما يؤدي إلى “تفاقم الجوع”.
وقال لازاريني “مهما كانت النية، فمن الواضح أن هذا يهدف إلى تسليح المساعدات الإنسانية المقدمة إلى غزة”.
كان رئيس الوزراء نتنياهو قد صرّح في أوائل مارس/آذار، بعد انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، بأنه “لن يكون هناك تنازلات تُذكر لغزة” طالما لم يُطلق سراح أي أسرى إسرائيليين جدد.
وتُعدّ خطوة نتنياهو انتهاكًا لشروط وقف إطلاق النار المتفق عليها، إذ لم يُطلق سراح أي أسرى جدد حتى بدء المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي من ممر فيلادلفيا على طول الحدود مع مصر، وهو ما لم تفعله.
كان من المقرر أن تبدأ محادثات المرحلة الثانية في أوائل فبراير/شباط، في اليوم السادس عشر من وقف إطلاق النار، لكن “إسرائيل” رفضت المشاركة فيها لأنها كانت ستتضمن الموافقة على الانسحاب الكامل من غزة وبدء مفاوضات لإنهاء الحرب بشكل دائم.
ومن استراتيجيات نتنياهو الأخرى لتخريب مفاوضات وقف إطلاق النار تهديداته اللاذعة باستئناف الهجوم الإسرائيلي على غزة.
وبينما عبّرت حماس عن استعدادها لتسليم أسير إسرائيلي أمريكي وجثث أربعة آخرين مقابل التفاوض على المرحلة الثانية، فإنها عرقلت خطط نتنياهو التخريبية. وكان التطور الرئيسي الذي مكّن من هذا التحول هو المناورات الدبلوماسية غير التقليدية التي اتخذتها إدارة ترامب خلال الأسبوع الماضي.
تحول غير متوقع مع اقتراب اتفاق جديد
حدث هذا التحول الأسبوع الماضي عندما أفاد موقع أكسيوس أن الولايات المتحدة تُجري محادثات مباشرة مع حماس دون وساطة، وهي خطوة تُخالف تقاليد الولايات المتحدة الراسخة منذ ثلاثة عقود برفض التفاوض مع منظمات تُعتبرها إرهابية.
وفي وقت لاحق، ردّ المبعوث الأمريكي، آدم بوهلر، على شبكة سي إن إن على انتقادات وجهها وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في جلسة خاصة، مُصرّحًا بأن الولايات المتحدة “ليست مستعدة للانتظار أسبوعين” مُضيفًا أن الولايات المتحدة “ليست عميلة لإسرائيل”.
بعد تصريحات بوهلر، التي اعتُبرت استفزازية ومؤشرًا على خلاف بين إسرائيل وإدارة ترامب، أرسلت “إسرائيل” أخيرًا وفدها إلى الدوحة يوم الاثنين.
وقدّم ستيف ويتكوف أحدث مقترحاته، والذي ينص على إطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين مقابل دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، بما في ذلك مواد إعادة الإعمار. وسيتم تمديد وقف إطلاق النار لمدة تتراوح بين 50 و60 يومًا، تُجرى خلالها مفاوضات لإنهاء الحرب.
ورغم أن الوفد الإسرائيلي الذي أُرسل إلى الدوحة يتمتع بصلاحيات محدودة للتفاوض، فإن استئناف المحادثات بعد أسبوع متوتر من التهديدات الإسرائيلية يمكن اعتباره تغييراً في الموقف الأميركي، الذي انتقل من اقتراح ترامب الاستفزازي بتطهير غزة عرقياً من الفلسطينيين وبناء “ريفييرا” في مكانهم إلى مناقشة الشروط مباشرة مع حماس وتقديم مقترحات متتالية للمضي قدماً في المحادثات بشأن إنهاء الحرب.
في صميم هذا التغيير، تكمن قضية إعادة إعمار غزة والمقترح المضاد الذي قُدّم في القمة العربية مطلع مارس/آذار. يوم الأربعاء، قدّم اجتماع وزراء الخارجية العرب في الدوحة الخطة إلى ويتكوف، واتفقوا على مناقشتها في المحادثات الجارية “كأساس لجهود إعادة الإعمار في القطاع”، وفقًا لتقارير إعلامية عربية مختلفة .
بينما يعلق الفلسطينيون في غزة وعائلات الأسرى الإسرائيليين آمالهم على استئناف جولة المحادثات في الدوحة، وعلى احتمال إحراز تقدم في المحادثات بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار عقب إعلان حماس يوم الجمعة، إلا أن فرص التوصل إلى اتفاق نهائي لا تزال ضئيلة.
ولا تُظهر حكومة نتنياهو أي مؤشر على استعدادها لإنهاء الحرب. وسيحاول الآن إيجاد سبيل لتجنب المضي قدمًا في عملية التفاوض، وإلقاء اللوم على حماس، كما فعل مرات عديدة في الماضي.