قراءة في معالم الخطة العربية المسربة بشأن غزة

أوردت وسائل الإعلام معالم الخطة العربية التي ستناقش في الاجتماع الذي سيعقد في الرياض بعد غدٍ الخميس، وسيعرض ما سيُتّفق عليه على القمّة العربية المقرّر أن تنعقد بالقاهرة في 27 فبراير/ شباط الجاري.
ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن مسؤولين عرب أبرز محتويات الخطة، إذ تتضمن تشكيل لجنة فلسطينية لحكم قطاع غزّة من دون مشاركة حركة حماس، وتعاون دولي في إعادة الإعمار من دون تهجير الفلسطينيين، إضافة إلى المضي نحو حلّ الدولتين.
وتتضمن الخطة المسربة إنشاء منطقة عازلة وحاجز لعرقلة حفر الأنفاق عبر حدود غزّة مع مصر، وبمجرد إزالة الأنقاض سيجري إنشاء عشرين منطقة إسكان مؤقت، وستعمل نحو خمسين شركة مصرية وأجنبية من أجل إنجاز ذلك.
كما سيُنشأ صندوق للإعمار قد يطلق عليه “صندوق ترامب للإعمار”! ووفق مسؤول عربي، فإن إجبار حركة حماس على التخلي عن أي دور في غزّة سيكون ضرورياً، وصرح في الاتجاه نفسه أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، عن أهمية تنحي “حماس” كونه يحقق المصلحة الفلسطينية.
وفي مصادر إعلامية أخرى، ورد أن نزع سلاح المقاومة في غزّة وترحيل قياداتٍ وكوادر من “حماس” من متطلبات نجاح الخطة، وهذا ما لم تؤكّده مصادر رسمية عربية، وإنما هي مطالب إسرائيلية مدعومة أميركيّاً، فهناك محاولة للمقايضة بين السماح بالإعمار من دون تهجير وبين رأس المقاومة.
وما يعطي للخطة العربية أهمية أن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، صرح إن واشنطن في انتظار الخطة العربية، وشدّد على مسألة إبعاد “حماس”.
رد حماس
في ردٍّ قوي على ما يجري تداوله، قال القيادي في “حماس”، أسامة حمدان، إن موقف حركته هو أنّها ستتعامل مع أي جهة ستُمارس دور الاحتلال تماماً مثلما تعاملت المقاومة مع الاحتلال، وهذا يعكس توتّراً وإحساساً بالخطر.
وشدد حمدان على أن اليوم التالي في قطاع غزّة كان وسيظل فلسطينيّاً يتفاهم عليه الفلسطينيون، مؤكداً على رفض إقصاء “حماس”، التي لا يوجد أحد من قادتها إلا وخسر نصف عائلته، فلن تقبل المقاومة من أحد أن يقول لها تنحّي جانباً، وأن سلاح المقاومة وقادتها وعلاقتها بداعميها خارج النقاش.
لا حق لأحد بإقصاء المقاومة
يشدد مدير مركز مسارات للأبحاث والدراسات في رام الله هاني المصري، على أنه لا يحقّ لأحد إقصاء “حماس” والمقاومة الفلسطينية في غزة.
ويبرز المصري على أنه ينبغي على الفلسطينيين جميعاً أن يعطوا الأولوية لإنقاذ غزّة وفعل كل ما يمكن لمنع استئناف حرب الإبادة، عبر الاتفاق على خطة لا تنطلق من الحقّ فحسب، وإنما تستند إلى الحكمة من خلال التوافق الوطني.
ويشير إلى فكرة تراجع “حماس” خطوتين إلى الوراء، بحيث لا تشارك في الحكومة، ولكنها تشكَّل بالتفاهم معها، مقابل تقدّم السلطة الفلسطينية خطوتين إلى الأمام نحو استلام غزّة بدون شروط تعجيزية، ومن دون تجاهل حضور “حماس” القوي، والحاجة إلى هذا الحضور لعدم حدوث فراغٍ يفتح الباب للفوضى والفلتان والاقتتال.
وبحسب المصري فإن ما سبق يعني أن القمة العربية مطالبة بالتحرّك بصورةٍ مختلفة عن القمم السابقة، لأن الذي رأسُه تحت المقصلة هذه المرّة ليس القضية الفلسطينية فحسب، وإنما الأمن القومي العربي أيضاً، فالقمة هذه المرة أمام لحظة الاختيار، وهناك ثلاثة خيارات أمامها وكلّ خيار له أثمانه وتبعاته.
ينبه المصري إلى أنه إذا اختارت القمة العربية تحدّي إدارة ترامب ومجابهتها فستتعرّض لعقوبات أميركية متنوّعة، ولكنها ستكسب شعوبها ودوراً بارزاً في الإقليم والعالم، وهذا يكون من خلال فرض الوحدة على الفلسطينيين بدلاً من استبعادهم، وإعطاء الأولوية لتوفير مقومات الصمود والبقاء لأهل غزّة.
وشدد على أن ما سيمنع التهجير ويحدّ من الهجرة بكل أنواعها هو إعمار سريع مسنود بموقف عربي مستعد لاستخدام أوراق القوة والضغط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، بما في ذلك تجميد وقطع العلاقات مع إسرائيل، وعدم تطبيع جديد معها إذا مضت في العدوان والضم والتهجير الذي لن يقتصر على غزّة، بل سيمتد إلى الضفة الغربية، فضلاً عن استخدام النفط والأسواق والاستثمار.
ما سبق يعني مجابهةً قد تؤدي إلى مواجهة، أو إلى تراجع ترامب عن تهديده بالتهجير والسيطرة على غزّة، لأنه شخص عملي وليس أيديولوجيّاً، ويؤمن بعقد الصفقات الرابحة، وإذا وجد أن صفقة تهجير غزّة ستخسر فسيتخلى عنها، وقد تؤدّي إلى عهدٍ من عدم الاستقرار والمواجهات.
أما إذا اختارت القمة العربية التكيّف وتشكيل “صندوق ترامب للإعمار” مقابل رأس المقاومة، فستخسر نفسها وشعوبها، وستتآكل شرعيّتها، وربما يهتز استقرارها وستزداد تبعيّتها للغرب الاستعماري، وهذا يشجّع ترامب على تقديم مزيد من الطلبات بخصوص القضية الفلسطينية، أو فيما يتعلق بزيادة الاستثمارات والمشتريات العربية في زمن السوق الأميركي، وخصوصاً مشتريات السلاح.
وبحسب المصري هناك خيار ثالث، بعيداً عن المجابهة والتكيّف، وهو خيار المُمانعة الذي يسمح بقدر من المجابهة والمساومة معاً، ولكن من دون تهوّر ولا تخاذل واستسلام، ويتضمّن أن تتراجع المقاومة خطوتين إلى الوراء، لكن مع بقائها، لأن التخلي عن المقاومة وسلاحها سيُضعف الجانب العربي وسيفتح الطريق أمام الاستسلام المرفوض.
ويؤكد أن المأخذ على الخطة العربية سيكون كبيراً إذا لم تربط وقف الحرب والإعمار بفتح مسار سياسي جدّي يبدأ ولا ينتهي بالدولة الفلسطينية.