
في خطوة تثير الجدل والغضب، رفضت السلطة الفلسطينية إدخال السيولة المالية إلى بنوك قطاع غزة خلال فترات وقف إطلاق النار، بذريعة “عدم توفر البيئة الأمنية المناسبة”، رغم اشتداد معاناة الناس تحت نيران الحرب والدمار المستمر.
وهذا القرار لم يكن إلا جزءًا من سياسة أوسع يرى فيها مراقبون تواطؤًا واضحًا مع الاحتلال في خنق سكان القطاع، سياسيًا واقتصاديًا.
سطو البنوك بالضفة
وبينما تُمنع غزة من استلام الأموال بحجة “غياب الأمن”، تشهد مدن الضفة الغربية، الخاضعة لسيطرة السلطة وأجهزتها الأمنية، حالة من الانفلات الخطير.
فقد سجل العام 2024 وحده أكثر من 16 عملية سطو مسلح على البنوك في الضفة، بمعدل عملية كل شهر ونصف تقريبًا. فأين هو الأمن الذي تتذرع به السلطة؟ وأين “الاستقرار” الذي يُحرَم الفلسطينيون في غزة من أبسط حقوقهم المالية باسمه؟.
بنك فلسطين يتهرب
وفي ذات السياق، تسود حالة من الغضب العارم بين عملاء بنك فلسطين، بعد أن تعرّضت حساباتهم لعمليات اختراق وسرقة إلكترونية عبر تطبيق البنك الرسمي، ما أدى لخسارة العديد منهم مبالغ مالية متفاوتة، دون تحرك واضح من البنك لحمايتهم أو تعويضهم.
ورغم تأكيد المتضررين أن السحب تم خلال ساعات الليل المتأخرة عبر تطبيق البنك، فإن إدارة “بنك فلسطين” لم تعترف بوقوع اختراق أو سرقة، بل اكتفت بإصدار تنويه عام يحذّر العملاء من مشاركة بياناتهم مع أطراف مجهولة، وهو ما اعتُبر محاولة مفضوحة للتنصل من المسؤولية وتحميل الضحية الخطأ.
سلطة تعاقب غزة وتكافئ الفوضى في الضفة
ويرى مراقبون أن منع إدخال السيولة إلى غزة، والتقاعس عن ضبط الأمن في الضفة، والتعامل اللامسؤول مع سرقة حسابات عملاء بنك فلسطين، كلها تؤكد أن المشكلة ليست في الأمن كما تزعم السلطة، بل في نية واضحة للمشاركة في تجويع الناس وخنقهم، ضمن معركة الإبادة والتجويع المتواصلة ضد غزة.
وأشار المواطن فراس ياغي إلى أن العديد من التجار استغلوا نقص السيولة برفع أسعار السلع، ورفضوا التعامل بالأوراق النقدية التالفة، وإن قبلوا بها، فإنهم يقتطعون جزءًا من قيمتها كـ”بدل تالف”، ما يزيد من أعباء المواطنين.
ويفرض تجار العملة عمولات باهظة تتراوح بين 20% إلى 33% على عمليات السحب من المحافظ الإلكترونية، في ظل امتناع البنوك عن توفير السيولة لعملائها.
أحد تجار السيولة كشف أن الأموال التي يوزعها تأتي من كبار التجار المستوردين الذين يحتكرون السيولة ويستفيدون من بيع البضائع والأموال.
وأضاف أنه يحصل على نسبة ربح 2-3%، فيما يحصد كبار التجار الحصة الأكبر.
غياب الرقابة وتفاقم الأزمة
وأكد الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم أن هذه الأزمة تسببت بتوقف النظامين المصرفي والتجاري، وارتفاع التضخم، وانهيار اقتصادي شبه كامل.
وأشار إلى أن كبار التجار احتكروا السيولة منذ بداية الحرب، ووجهوها نحو تجارة العملة بشكل غير قانوني.
ورغم أن العمولة القانونية يجب ألا تتجاوز 2%، فإن الواقع يشهد فوضى مالية بسبب غياب الرقابة.
وحذر عبد الكريم من أن هذه الممارسات أرهقت السكان، وأضعفت قدرتهم الشرائية، وأدت إلى العزوف عن شراء حتى الاحتياجات الأساسية.