تحليلات واراء

الشلل والهرم يسيطران على قيادة السلطة وينعكس سقوطا على مواقفها

يبرز مراقبون حالة الشلل والهرم التي تسيطر على قيادة السلطة الفلسطينية وتنعكس سقوطا مدويا على مواقفها بحيث وصل بها الأمر إلى حد المساواة بين جزّار شعبها وجزء من شعبها يذبح بسكين الجزّار المجرم.

ويقول الكاتب والباحث الفلسطيني أسامة أبو ارشيد إن القيادة الرسمية للسلطة ليست هرِمةً من ناحية العمر فقط، بل هرمها هذا، وانعدام الإبداع لديها، والقدرة على تقديم رؤىً مستقبلية، امتدّ ليصيب القضية الفلسطينية برمّتها بشبه شلل يوازي شلل الإرادة لدى تلك القيادة.

وينبه أبو ارشيد إلى أن الحالة الفلسطينية وصلت إلى مرحلة كأن عوامل الحتّ والتعرية التي أحدثها الزمن في هياكل أفراد قيادة السلطة، بدنياً ونفسياً وعقلياً، تنسحب على القضية الفلسطينية كلّها.

واستأنفت دولة الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادتها الوحشية في قطاع غزّة صباح الثلاثاء الماضي ما خلفت استشهاد مئات من الفلسطينيين، أغلبهم نساء وأطفال، هم نيام في خيامهم أو هم يحضّرون أنفسهم لسحور يوم آخر من شهر رمضان المبارك، رغم أنهم لا يملكون من الماء والطعام إلا القليل في ضوء الحصار الإسرائيلي الخانق.

ولم تحترم دولة الاحتلال يوماً التزاماتها تحت اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيّز التنفيذ في يناير الماضي، حيث كانت حرب الإبادة مستمرّة خلال فترة وقف إطلاق النار بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزّة، ولكن بشكل أكثر بطئاً، وأقلّ حدّة.

ماذا كان ردّ السلطة الفلسطينية، التي تراقب بصمت مريب حرب الإبادة الأخرى، والتطهير العرقي، اللذين يشنّهما الاحتلال بحقّ الفلسطينيين في المناطق التي هي تحت سيطرتها (السلطة) في الضفة الغربية؟، يبرز أبو ارشيد أن الردّ كان مخزياً بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى.

لقد ساوت السلطة الفلسطينية بين المُعتدي والمُعتدى عليه. ساوت بين جزّار شعبها وجزء من شعبها يذبح بسكين الجزّار المجرم.

فحتى في لحظة سفك الدم الفلسطيني، دم شعبها المتدفّق شلّالاتٍ، لم تستطع القيادة الفلسطينية الرسمية أن تكبح جماح خلافاتها السياسية ومناكفاتها الحزبية مع حركة حماس، ومراراتها معها.

“ندين تصرفات حماس غير المسؤولة” (من دون توضيح ما الذي يدينه)، هكذا قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، في اليوم ذاته الذي استأنفت فيه إسرائيل مجازرها بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزّة. إذا لم يكن هذا معياراً حاسماً في تعريف الصغار، فماذا تراه يكون؟

قبل ذلك بأسبوع، كان أبو ردينة نفسه قد أصدر بياناً باسم الرئاسة الفلسطينية يدين فيه اتصالات حركة حماس مع “جهات أجنبية، وإجراء مفاوضات من دون “تفويض وطني”، وذلك في إحالة إلى لقاءات عقدها قادة الحركة مع مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون الأسرى آدم بولر.

وبغض النظر عن مدى حكمة تلك اللقاءات من عدمها، فإن ما يثير الدهشة هي الجرأة التي تحدّثت بها السلطة عن “التفويض الوطني”. وكأنّ قيادة منظّمة التحرير طلبت يوماً تفويضاً وطنياً في الاتفاقات كلّها، التي عقدتها مع الاحتلال بدءاً بـ”أوسلو” (1993).

وكأنّ قيادة السلطة الفلسطينية سعت يوماً إلى تأمين تفويض وطني لتعاونها الأمني الفاضح مع دولة الاحتلال.

وهل كانت السلطة حصلت على تفويض وطني عندما أطلقت حملة “حماية وطن” في مخيّم جنين وما حوله (ديسمبر 2024)، وقتلت خلالها أبناءً من شعبها وهي تستهدف المقاومة الفلسطينية في المخيّم، قبل أن تتراجع أجهزتها الأمنية أمام تقدّم الجيش الإسرائيلي في يناير في المخيّم، وفي مدن وبلدات أخرى في الضفة لاستكمال المهمة، ومن دون أن تحرّك السلطة ساكناً؟.

وأكد أبو ارشيد أنه إذا كانت حركة حماس عابثة في قطاع غزّة، كما تقول قيادة السلطة فإنها هي أيضاً عابثة، ليس في الضفة الغربية وقطاع غزّة فحسب، بل بمستقبل القضية الفلسطينية كلّها، والشعب الفلسطيني برمّته.

ويشير إلى أن رئيس السلطة محمود عبّاس تحدث مراراً وتكراراً، كما في القمة العربية الطارئة في القاهرة بمطلع مارس الجاري، عن “الشرعية الفلسطينية الواحدة” و”السلاح الواحد”، وكأن هذه الشرعية محسومة له، رغم أن رئاسته انتهت دستورياً وقانونياً منذ عام 2009.

وعندما توافقت الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة فتح، على إجراء انتخاباتٍ رئاسيةٍ وتشريعية عام 2021، قرّر هو (بشكل أحادي) إلغاءها. أمّا منظّمة التحرير التي يرفض عبّاس إصلاحها، وحوّلها فزّاعةً يُخرجها متى أراد أن يضرب بعصا “الشرعية”، فهي نفسها فقدت الشرعية بعدما تكلّست، وتحوّلت ساحةً للعبث والمراهقة السياسية وغياب التمثيل.

وختم ابو ارشيد “تقف القضية الفلسطينية عند مفترق طرق. سيناريوهات التهجير من قطاع غزّة والضفة الغربية لم تعد هواجس فحسب، بل إنها شاخصةٌ أمام أعين من لا يتعامى ولا يتغافل ولا يتحامق. أمّا حرب الإبادة والتطهير العرقي فإنهما يجريان على قدم وساق”.

وتابع إن “القضية الفلسطينية أحوج ما تكون إلى زعامة وقادة كبار يضعون الوطن والشعب ومصالحهما أمام ناظريهم. وهي قطعاً لا تحتاج مسؤولين صغاراً موجودين برضا الاحتلال وحلفائه، ومسكونين بأوهام سياسية، ومرارات نفسية، وضغائن شخصية، ومناكفات فصائلية. وقد أثبت الشعب الفلسطيني أنه شعب عظيم، ولكنّه لم ينجح في تصدير قيادة رسمية توازي عظمته وتضحياته”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى