تحليلات واراء

حجب الصراعات الداخلية على السلطة في “إسرائيل” بمزيد من الإجرام

تتفاقم الصراعات الداخلية على السلطة في “إسرائيل” في وقت يتم التغطية عليها بمزيد من الإجرام والعدوان سواء في غزة أو الضفة الغربية المحتلة أو الدول المجاورة مثل لبنان وسوريا.

وبرز في الأيام الأخيرة كيف عمد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أن تكتسب الاحتجاجات على إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) زخماً، إلى شن هجوماً مفاجئاً وقاتلاً على غزة.

وأبرز موقع Middle East Eye البريطاني، أنه عندما يتعلق الأمر بإقالة رئيس جهاز الشاباك رونين بار، فليس هناك جانب “جيد” في القصة ــ فقط جانب ماكر وشرير، مقابل جانب أحمق وشرير.

إذ بعد يومين من الإعلان عن إقالته، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية صورة لبار إلى جانب رئيس أركان الجيش المعين حديثا، إيال زامير، أثناء قيادة الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على السكان المدنيين في غزة، والذي وقع بينما كان الفلسطينيون يستيقظون في ساعات ما قبل الفجر لتناول الطعام قبل بدء صيام شهر رمضان.

على الجانب الآخر من هذه القصة يقف نتنياهو، الذي يراهن على صعود اليمين المتطرف في الغرب ــ وهي أجندة عززتها المعارضة العدوانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب للنظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وهو الإطار ذاته الذي خلق مؤسسات مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.

يتصور نتنياهو عالمًا تُملي فيه القوة العسكرية الغاشمة الواقع دون محاسبة. وتتمثل اهتماماته الرئيسية في محاكمته بتهم الفساد، وتحقيقات الشاباك الجارية في تسريبات إعلامية وفضائح مالية بين مساعديه.

وعلى الجانب الآخر يقف بار، الذي عينه رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت في عام 2021. ويمثل بار النخبة الأمنية في “إسرائيل”، التي تدرك التداعيات الأمنية طويلة الأمد للمناورات السياسية التي يقوم بها نتنياهو.

إنهم يدركون أن نتنياهو يستغل الحرب لتحقيق أهدافه السياسية، في حين يتجنب تحمل المسؤولية عن دوره في الإخفاقات الكارثية التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ببساطة، لا وجود للخطاب حول حقوق الإنسان في إسرائيل. الجدل بين هذه الشخصيات ليس أيديولوجيًا ولا أخلاقيًا؛ إنه صراع داخلي صهيوني بحت على السلطة. لكن عواقبه ستكون غير مسبوقة على الفلسطينيين والمنطقة ككل.

استغلال النفوذ

على غرار رئيس الأركان السابق هيرتسي هاليفي ووزير الجيش السابق يوآف غالانت، يجسد بار روح المؤسسة الصهيونية القديمة، المتجذرة في عقيدة زئيف جابوتنسكي في بناء “جدار حديدي” حول “إسرائيل”.

مع أن جابوتنسكي اعتبر الأراضي الواقعة على جانبي السياج ملكًا لإسرائيل، إلا أنه كان يعتقد أن العالم العربي لن يقبل بإسرائيل أبدًا، جاعلًا التفوق العسكري ضرورة. ورغم موقفه القومي، التزم بنهج ليبرالي، مُقدّرًا الحقوق الفردية وفصل السلطات.

قبل بدء الإبادة الجماعية في غزة، كان نتنياهو وحلفاؤه يعلمون أن الرأي العام الإسرائيلي ينظر إلى المؤسسة الأمنية على أنها لا تُمس، بل بقرة مقدسة.

ولكن حتى قبل الحرب، وخلال ذروة الاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي، جاءت المقاومة الأكثر تنظيمًا من أفراد عسكريين وأمنيين سابقين.

فقد استغلوا نفوذهم على الجيش بفعالية، حتى أنهم دعوا إلى رفض الخدمة في حال نجاح الانقلاب. كما اتخذ قطاع التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلي، الذي يضم أعضاء سابقين في وحدة الأمن السيبراني العسكرية، موقفًا حازمًا ضده.

وقد اعتبر نتنياهو الإخفاقات الأمنية في السابع من أكتوبر فرصةً للقضاء على خصومه دون أي مساءلة سياسية، وهو أمرٌ غير مسبوق حتى في حالات الإخفاقات الأصغر حجمًا في الماضي.

أدرك أن حجم هجوم “طوفان الأقصى” الذي نفذته حركة “حماس” سيحشد الشعب الإسرائيلي خلفه، مدفوعًا برغبةٍ في الانتقام واستعدادٍ لشنّ حربٍ شعواء على غزة.

وحتى أولئك الذين عارضوا الانقلاب القضائي داخل المؤسسة الأمنية انضموا في نهاية المطاف إلى جهود نتنياهو الحربية، مما أدى إلى تضخيم رسائل الانتقام للجنود والجمهور.

على عكسهم، لم يغب نتنياهو عن هدفه الحقيقي: إتمام انقلابه القضائي. وحين سنحت له الفرصة، أقدم على تفكيك قيادات الأمن بشكل منهجي ليحل محلها موالون له.

بينما كان العالم يشاهد الدمار في غزة، واصل نتنياهو وحلفاؤه إصلاحاتهم السياسية. قام وزير الأمن القومي السابق، إيتامار بن غفير، بتطهير جهاز الشرطة من كبار المسؤولين المعارضين.

وأعاد وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، توجيه الميزانيات في الضفة الغربية المحتلة، ناقلاً صلاحيات رئيسية من الجيش إلى السلطات المدنية.

الهروب من الانتحار السياسي

مع دخول وقف إطلاق النار المفروض دوليًا في غزة حيّز التنفيذ، وجد نتنياهو نفسه في مأزق صعب. التزمت حماس بشروط الاتفاق، فأطلقت سراح أسرى إسرائيليين كما هو متفق عليه.

وهذا ما دفع عائلات الأسرى الإسرائيليين إلى الأمل في إمكانية إطلاق سراح المزيد من الأسرى إذا أوفت إسرائيل بالتزاماتها.

الأهم من ذلك، أن وقف إطلاق النار ألزم إسرائيل بالانسحاب من غزة، وهو ما كان نتنياهو يعلم يقينًا أنه انتحار سياسي. ومما زاد الطين بلة، أن جهاز الأمن العام (الشاباك) بدأ التحقيق في مكتبه، في الوقت الذي كان يُكافح فيه لإقرار ميزانية الدولة، حيث هدد النواب المتشددون بالتصويت ضدها بسبب نزاع حول التجنيد العسكري لطائفتهم.

وبعد أن أدرك نتنياهو مدى تعقيد موقفه، قرر المضي قدماً في هذه الخطوة، معتمداً على الدعم الأميركي.

استدعى بار وأبلغه بفصله. وقبل أن تكتسب الاحتجاجات على القرار زخمًا، ومع تحذير المدعي العام الإسرائيلي من استحالة استمرار إطلاق النار دون وجود أسباب وجيهة، شن نتنياهو هجومًا مفاجئًا على غزة، أسفر عن استشهاد أكثر من 400 فلسطينيا.

كان تسلسل الأحداث السريع في صالح نتنياهو. لم يكد الجمهور الإسرائيلي يستوعب قرار إقالة بار حتى شتت تجدد القتال انتباهه. عاد بن غفير إلى الحكومة، مساهمًا في إقرار ميزانية نتنياهو.

للأسف، أصبحت حياة الفلسطينيين مجرد ضجيج في خلفية صراعات القوة الصهيونية الداخلية. قد يكون من السهل إلقاء اللوم كله على نتنياهو وحلفائه، لكن هذه الأزمة مبنية على افتراض أساسي بهيمنة الصهيونية على حياة الفلسطينيين.

منذ بداية الحرب، لم يشكك أي سياسي إسرائيلي أو حركة احتجاجية بشكل جدي في شرعية عمليات القتل الجماعي أو عواقبها على المدى الطويل.

إذا فشلت الحرب التي استمرت أكثر من عام، بما في ذلك الغزو البري لقطاع غزة، في تحقيق الأهداف العسكرية الإسرائيلية، فهل ستنجح جولة أخرى من الضربات الجوية؟

لن يتوقف نتنياهو وشركاؤه عن السعي وراء طموحاتهم السياسية، لكن الحرب ستنتهي في نهاية المطاف. حينها فقط سيدرك من يُسمّون خصوم نتنياهو – أولئك الذين مكّنوا جنونه الإبادي – أنهم كانوا مجرد بيادق في لعبته.

وحينها فقط سوف يدركون أنه في نظر العالم لا يوجد فرق حقيقي بينهم وبين اليمين المتطرف المسيحاني في دولة الاحتلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى