الاحتلال يرفع شعار “عام القتال” وسط خسائره غير المسبوقة

ترفع دولة الاحتلال الإسرائيلي شعار “عام القتال” لعام 2025 مع التركيز على الضفة الغربية المحتلة، في وقت يحذر مراقبون من أن العواقب قد تكون وخيمة، وخاصة بالنسبة لجيش عانى بالفعل من خسائر غير مسبوقة على جبهات متعددة.
ونبه الصحفي رمزي بارود رئيس تحرير صحيفة (palestinechronicle) إلى أن رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد، إيال زامير، وصف عام 2025 بأنه “عام من القتال”.
ولفت بارود إلى أن الجملة الدقيقة، المترجمة من العبرية، هي : “سيظل عام 2025 عامًا للقتال”. وكلمة “استمرار” حاسمة، إذ تشير إلى أن دولة الاحتلال ستستأنف حروبها، على الرغم من اتفاقيات وقف إطلاق النار التي وقعتها مع الحكومة اللبنانية في نوفمبر/تشرين الثاني والمقاومة الفلسطينية في يناير/كانون الثاني.
بعبارة أخرى، يبدو أن زامير يشير إلى أن الجيش الإسرائيلي سيعيد فتح هاتين الجبهتين، حتى في مواجهة اتفاقيات وقف إطلاق النار.
لكن بحسب بارود ورغم شهية دولة الاحتلال التي لا تشبع للحرب، فمن الصعب أن نتخيل ما قد يتمكن الجيش الإسرائيلي من تحقيقه من خلال تجدد العنف في حين فشل بالفعل في تحقيق أهدافه على مدى ما يقرب من 14 شهراً في لبنان وأكثر من 15 شهراً في غزة.
فقد شنت دولة الاحتلال آلاف الغارات الجوية على لبنان، فدمرت بلدات وقرى بأكملها وقتلت وجرحت الآلاف. كما ألقت أكثر من 85 ألف طن من القنابل على غزة، مما أدى إلى إبادة جماعية غير مسبوقة وقتل وجرح أكثر من 170 ألف شخص.
وعلى الرغم من هذا، فشلت “إسرائيل” على الجبهتين. ففي غزة، كما ذكرت وكالة رويترز، تمكنت حماس وحدها من تجنيد ما يصل إلى 15 ألف مقاوم قبل نهاية اليوم 471 من الحرب الإسرائيلية المتواصلة.
فضلاً عن ذلك فإن عودة ما يقرب من مليون فلسطيني إلى شمال غزة كانت بمثابة إعادة ضبط لما يسمى بالإنجازات التكتيكية أو الاستراتيجية التي حققتها دولة الاحتلال.
فقد انقلبت هذه الجهود، التي كانت تهدف إلى إخلاء شمال غزة من السكان بهدف إنشاء مناطق عازلة عسكرية دائمة، بسبب عودة السكان.
وقد جاءت الحرب بتكلفة باهظة على الجيش الإسرائيلي. ومن عجيب المفارقات أن زامير كشف خلال مؤتمر وزارة الجيش عن التكاليف الفعلية للحروب الإسرائيلية في العام الماضي.
فقد صرح بأن الوزارة “توفر الآن الرعاية لـ 5942 من أفراد أسر الضحايا الجدد”، وأضاف أن “دائرة إعادة التأهيل استقبلت أكثر من 15 ألف جندي جريح، يحمل العديد منهم ندوباً جسدية ونفسية من الحرب”.
ولم يتم تقسيم هذه الأرقام حسب الفئة أو جبهة الحرب ولم تشمل الخسائر البشرية من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى نهاية العام. ومع ذلك، فإنها تمثل أعلى تقدير للخسائر البشرية الإسرائيلية المقدمة حتى الآن، مما يثير التساؤل: هل تستطيع (إسرائيل) تحمل العودة إلى الحرب؟.
قدم وزير الجيش الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، الذي أقاله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، أدلة حول الأزمة العسكرية الإسرائيلية خلال مقابلة على القناة 12. واستذكر غالانت محادثة أجراها مع نتنياهو بعد هجوم طوفان الأقصى.
وقال عن ذلك “قال لي رئيس الوزراء إننا سنرى آلاف القتلى في الهجوم على غزة. قلت له: لن نرى آلاف القتلى”. لكن أرقام زامير أثبتت الآن صحة تقديرات نتنياهو، وليس تقديرات جالانت.
كان أحد المخاوف المبكرة التي راودت نتنياهو هو أن “حزب الله سوف يدمر كل شيء إذا ضربناه”، في إشارة إلى مدينة تل أبيب. ورغم أن هذا التوقع لم يتحقق بالكامل، فإن الجمود في لبنان يضمن بقاء دولة الاحتلال مسكونة بمخاوف مماثلة.
هل سيكون عام 2025 عام القتال بالنسبة لإسرائيل؟
في الواقع يواجه نتنياهو تحدياً مزدوجاً: إذا انتهت كل جبهات الحرب رسمياً، فسوف تنهار حكومته؛ ولكن إذا عاد إلى الحرب النشطة، فسوف يفشل في تحقيق أي نصر حاسم.
من الممكن أن يكون هدف مبدأ “عام القتال” الذي تبناه زامير هو إنقاذ ماء الوجه ـ استعراض القوة من دون إعادة فتح جبهات الحرب الرئيسية.
وربما تستمر دولة الاحتلال في خلق الأزمات في غزة ولبنان من دون الانخراط الكامل في الحرب، ربما من خلال تأخير الانسحابات المقررة، وإضافة مطالب جديدة، وما إلى ذلك.
لكن هذا قد لا يكون كافياً لإبقاء نتنياهو في السلطة، وخاصة في مواجهة الاستياء المتزايد . وهنا يأتي دور الجدار الحديدي، العملية العسكرية الإسرائيلية المستمرة في الضفة الغربية.
ورغم أن دولة الاحتلال شنت العديد من الغارات في الضفة الغربية، فإن عملية 21 يناير/كانون الثاني كانت مرتبطة بشكل مباشر بالحرب في غزة.
فقد بدأت بعد يومين من وقف إطلاق النار الأخير، الأمر الذي يشير إلى أن نشر أعداد كبيرة من القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية كان من المفترض أن يعوض عن تقليص القتال في غزة.
كما ساهم ذلك في صرف الانتباه عن الشعور الإسرائيلي بالفشل في غزة، كما وصفه وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن جفير، الذي استقال من ائتلاف نتنياهو في 19 يناير/كانون الثاني.
لقد استخدمت الحرب الدائرة في الضفة الغربية، والتي تركزت في مخيم جنين للاجئين، تكتيكات مماثلة لتلك المستخدمة في غزة.
فقد تم تهجير عشرات الآلاف من جنين وطولكرم وغيرهما من مناطق شمال الضفة الغربية؛ وقُتل وجُرح المئات، وهُدمت منازلهم. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي يحاول التعويض عن فشله في تطهير غزة عرقياً من خلال تهجير مجتمعات بأكملها في الضفة الغربية.
وخلص بارود إلى أنه إذا استمرت (إسرائيل) على هذا المسار، فقد يصبح اندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة وشيكاً، وقد تنفتح جبهات جديدة غير متوقعة في الوقت نفسه.