قراءة في خطة “المراكز الإنسانية” المقترحة إسرائيليا في غزة

قدم الجيش الإسرائيلي للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة خطة لإدارة غزة باسم “المراكز الإنسانية” تتضمن فرض سيطرة إسرائيلية أكثر صرامة مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب، بحسب مسؤولين إنسانيين، الأمر الذي يثير الشكوك حول ما إذا كانت حكومة بنيامين نتنياهو لديها أي نية لتنفيذ انسحاب عسكري من القطاع.
وفي اجتماعات مع ممثلي الأمم المتحدة يوم الأربعاء ومع مسؤولين من وكالات أخرى يوم الخميس، حددت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (كوجات)، وهي الوحدة العسكرية المكلفة بتسليم المساعدات إلى الأراضي المحتلة، خطة لتوزيع الإمدادات من خلال مراكز لوجستية خاضعة لإدارة مشددة إلى المستفيدين الفلسطينيين الذين تم التحقق منهم.
ويبدو أن هذا المخطط هو نسخة من مخطط تم تجريبه قبل أكثر من عام في غزة، والمعروف باسم ” الفقاعات الإنسانية “، والذي يتضمن توزيع المساعدات من مناطق صغيرة خاضعة لسيطرة شديدة، والتي من المقرر أن تتوسع بمرور الوقت. ولكن التجربة تم التخلي عنها بعد بضع تجارب في شمال غزة.
وقد أحيا مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق هذه الخطة في وقت تتفاوض فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي على البدء المحتمل لمرحلة ثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في يناير/ كانون الثاني الماضي، والذي من المفترض أن يشمل الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
ولكن خطة مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق تتضمن بدلاً من ذلك تشديد القبضة الإسرائيلية على الحياة اليومية في الأراضي الفلسطينية.
وبحسب مصادر إغاثية مطلعة على الخطة، فإن “المراكز الإنسانية” نفسها يمكن تأمينها من قبل شركات أمنية خاصة، ولكنها ستقع في مناطق “تحت السيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي”.
والمدخل الوحيد إلى غزة الذي يسمح بمرور المساعدات بموجب الخطة هو معبر كرم أبو سالم الذي يسيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي. أما معبر رفح بين مصر وغزة فسوف يظل مغلقا بشكل دائم.
وسيتعين على المنظمات غير الحكومية المسموح لها بالعمل في غزة أن تكون مسجلة في إسرائيل، كما يتعين فحص جميع الموظفين العاملين لديها أو لدى وكالات الأمم المتحدة.
وبما أن المساعدات لن يُسمح بها إلا من خلال معبر إسرائيلي وليس من خلال رفح، فإن ذلك سيجعل العمل في غزة مستحيلاً تقريباً بالنسبة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) – وهي أكبر منظمة مساعدات في غزة على الإطلاق – والتي حظرتها إسرائيل.
وقال مسؤولون في مجال المساعدات الإنسانية مطلعون على إحاطة منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق إن الخطة قُدمت على أنها حقيقة ثابتة، حيث زعم المسؤولون الإسرائيليون أنها تحظى بالفعل بدعم أميركي كامل وبالتالي سيكون من الصعب على الأمم المتحدة مقاومتها.
وتتضمن الخطة إنشاء قطاع غزة حيث يتم توزيع الضروريات الأساسية على الفلسطينيين المعتمدين في نقاط توزيع محدودة تحت سيطرة إسرائيلية مشددة.
ولا تتضمن الخطة أي ذكر لخطة دونالد ترامب التي تقضي بتولي الولايات المتحدة ملكية قطاع غزة وإخلاء المنطقة من سكانها الفلسطينيين.
استباق لطرح خطة عربية
يأتي عرض الاحتلال الإسرائيلي للخطة في الوقت الذي تناقش فيه الحكومات العربية خطتها الخاصة لمستقبل غزة.
وفي اجتماع عقد في العاصمة السعودية الرياض، ضم ممثلين من مصر والأردن ودول الخليج في الحادي والعشرين من فبراير/شباط، أقر الاجتماع خطة إعادة الإعمار التي صممتها مصر بتكلفة 53 مليار دولار وتستمر من ثلاث إلى خمس سنوات، بدءاً بإنشاء مناطق آمنة من الخيام والمنازل المتنقلة ليعيش فيها الناس أثناء إعادة الإعمار.
ومن المقرر أن يتم عرض الاقتراح على القمة الطارئة لجامعة الدول العربية يوم الثلاثاء في القاهرة.
وقال أحد العاملين في مجال الإغاثة في القدس: “إن خطة مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق تهدف إلى إفساد الخطة العربية وتقديم بديل لها”.
في يناير/كانون الثاني 2024، أجرت قوات الاحتلال الإسرائيلي تجارب على “الفقاعات الإنسانية” في ثلاث مناطق في شمال غزة.
وكان من المقرر أن يتولى فلسطينيون مختارون مثل شيوخ المجتمع المحلي إدارة توزيع المواد الغذائية وغيرها من الإمدادات الأساسية، لكن الخطة لم تنطلق قط وفشلت في العثور على متطوعين محليين مستعدين للعمل مع الإسرائيليين.
وقال أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، إن “نهج الفقاعة الذي رفض منذ بداية الحرب له كل أنواع التداعيات الخطيرة، لأن الإسرائيليين سوف يسيطرون على كل إمدادات المواد القادمة”.
وذكر الشوا أن هذا سيكون بمثابة تمديد لنظام المساعدات التقييدي الذي يشرف عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي حالياً.
وبموجب وقف إطلاق النار، عاد تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة إلى مستواه قبل الحرب والذي كان يتراوح بين 400 إلى 600 شاحنة يومياً، لكن الشوا يقول إن (إسرائيل) لم تسلم عدد الخيام التي وعدت بها، في حين كان الأطفال يتجمدون حتى الموت.
وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، عن وفاة ستة أطفال رضع نتيجة تعرضهم للبرد يومي الاثنين والثلاثاء هذا الأسبوع في قطاع غزة.
وأبرز الشوا أن قوات الاحتلال تمنع أيضا دخول صهاريج المياه، وكذلك الدفاتر والأقلام المخصصة لدروس المدارس المؤقتة التي يتم تدريسها تحت الخيام، بدعوى أن هذه المواد “ذات استخدام مزدوج”.
وأضاف “إنهم يريدون السيطرة على أحرف الأبجدية لحياة الفلسطينيين”.