سقطة الإعلام الأمريكي: مقر الموساد يقع في “منطقة مكتظة بالسكان”
في ليلة الثلاثاء، ذكرت شبكة (سي إن إن) الأمريكية أن المدنيين الإسرائيليين في أجزاء من تل أبيب كانوا في مرمى نيران هجوم صاروخي إيراني يستهدف مقر وكالة الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد”.
ووصفت الشبكة التلفزيونية الموقع المركزي للموساد بأنه ” منطقة مكتظة بالسكان”، وهي منطقة مدنية تضم أحد الأصول الرئيسية للجيش الإسرائيلي.
كانت هناك عبارة واحدة غائبة بشكل واضح عن تغطية شبكة سي إن إن، وهو مصطلح تكرر مرارا بشدة في غزة: “الدروع البشرية”.
استهداف المدنيين
على مدى عقود من الزمان، كانت (إسرائيل) تنسب العدد الهائل من الضحايا المدنيين في غزة إلى المقاومة الفلسطينية بزعم استقرارها داخل البنية التحتية المدنية.
ووفقاً لمزاعم هذه الرواية، فإن الأعداد الهائلة من الفلسطينيين الذين استشهدوا برصاص وقنابل الاحتلال الإسرائيلي لم يكونوا ضحايا الاحتلال نفسه بل كانوا بدلاً من ذلك “دروعاً بشرية” للمقاومة.
وقد نشأ هذا الوصف بسبب قرب منازل هؤلاء الضحايا المدنيين وأماكن عملهم من مواقع عمليات المقاومة في “مناطق مكتظة بالسكان”، على حد تعبير شبكة “سي إن إن”.
إن المعايير المزدوجة التي تنتهجها وسائل الإعلام الغربية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين ليست جديدة.
وإن الخطاب حول “الدروع البشرية” ـ أو الفشل في استخدام المصطلح ـ يشكل مثالاً على النفاق الذي بلغ أقصى درجاته.
ففي وقت سابق من هذا العام، اشتكى عدد من موظفي شبكة “سي إن إن” من “التحيز المنهجي والمؤسسي داخل الشبكة” تجاه دولة الاحتلال.
في الأسبوع الماضي فقط، ذكرت شبكة سي إن إن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتهم حزب الله باستخدام المدنيين الإسرائيليين كدروع بشرية لسنوات.
وفي الوقت نفسه، لم تصف سي إن إن (إسرائيل) بأنها تستخدم أيضًا المدنيين الإسرائيليين كـ “دروع بشرية” حول مقر الموساد.
الروايات السامة
لم يكن اختلاف اللغة بين المشهدين مفاجأة بالنظر إلى تاريخ الروايات السامة: حيث يتم تصوير الفلسطينيين على أنهم “إرهابيون” يسمحون للمقاومة بالاختباء بينهم.
إن الثمن الذي دفعه هذا السرد يمكن حسابه في أرواح الفلسطينيين ــ ومؤخراً اللبنانيين ــ. فقد سمح لإسرائيل بحرية قتل المدنيين. وفي الإبادة الجماعية الحالية في غزة، قتل الاحتلال الإسرائيلي أكثر من أربعين ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال.
ولكن المرة الأولى التي تردد فيها تعبير “الدروع البشرية” لم تكن في إشارة إلى المقاومة، بل كان الجنود الإسرائيليون هم الذين استخدموا تكتيك استخدام البشر كدروع بشرية: المدنيون الفلسطينيون.
في عام 2014، أثناء الاجتياح البري الإسرائيلي لقرية خزاعة، بالقرب من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ظهرت أنباء عن قيام القوات الإسرائيلية بحصار عائلة فلسطينية في المنطقة وإجبار ابنها أحمد أبو ريدة البالغ من العمر 16 عاماً على الخروج من المنزل تحت تهديد السلاح.
وقد اختطف أبو ريدة واستخدمه جنود الاحتلال كـ”درع بشري” لمدة خمسة أيام للبحث عن أنفاق مزعومة للمقاومة. وبعد إطلاق سراحه، قال أبو ريدة إن جنود الاحتلال اعتدوا عليه نفسياً وجسدياً.
ومع مرور الأعوام، واصلت القوات الإسرائيلية نفس الأعمال اللاإنسانية، مع المزيد من الاضطهاد والإذلال في الضفة الغربية تحت غطاء من تأطير وسائل الإعلام، وبالتالي موافقة الحكومة الأميركية.
ورغم أن استخدام الدروع البشرية بشكل غير طوعي يعد جريمة حرب بموجب اتفاقية جنيف منذ عام 1949، فإن هذه الديناميكية ليست جديدة.
وبينما يعامل قادة (إسرائيل) وجيشها قطاع غزة بأكمله وسكانه كدروع بشرية ــ بما في ذلك كل مستشفى ومدرسة ومخيم للاجئين ــ فإن معنى عبارة “الدرع البشري” بموجب القانون الدولي أصبح مشوهاً إلى الحد الذي لا يمكن التعرف عليه.
بالنسبة للفلسطينيين، فإن هذا المصطلح يتجاوز مجرد وصف أجساد المدنيين على الخطوط الأمامية لإسرائيل؛ فهو يختزل وجودهم إلى وجود دون البشر، ويعامل حياتهم على أنها لا قيمة لها ومجرد أشياء وأدوات حرب.
ولم تدين شبكة سي إن إن، بطبيعة الحال، بشدة استخدام (إسرائيل) للمدنيين كـ”دروع بشرية” عندما أشارت إلى موقع الموساد المكتظ بالمدنيين. ذلك أن الشبكة الأمريكية مثلها كمثل كل وسائل الإعلام الغربية تقريباً، ترى أن الإسرائيليين، على النقيض من الفلسطينيين، بشر.