تحليلات واراء

هكذا ساهم النظام المستبد في مصر بتمكين ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة

يجمع المراقبون على أن النظام المصري الذي يوصف على نطاق واسع بأنه مستبد ساهم بشكل فاعل في تمكين دولة الاحتلال الإسرائيلي من ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية المستمرة منذ أكثر من عام في قطاع غزة.

وبينما تواصل “إسرائيل” حربها الإبادة الجماعية في غزة، وتوسع نطاقها إلى لبنان، يبدو أن معظم الدول العربية وفي مقدمتها مصر مجرد مراقب أو مشارك في مذبحة المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين على نطاق غير مسبوق.

ورغم التهديد باندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق، وهو ما قد يخلف آثاراً مزعزعة للاستقرار على المنطقة بأسرها، فإن قدرة الدول العربية ورغبتها في كبح جماح الغطرسة الإمبريالية الإسرائيلية تبدو معدومة.

وهناك سبب وجيه للقول إن المسبب الرئيسي للأزمة الحالية التي تجتاح الشرق الأوسط ليس سوى الولايات المتحدة، التي مولت فعليًا الحروب الإسرائيلية على غزة ولبنان، بمساعدات تجاوزت 17.9 مليار دولار منذ 7 أكتوبر 2023.

كما قدمت واشنطن غطاء دبلوماسيًا لإسرائيل ومنحت حكومتها اليمينية المتطرفة الضوء الأخضر لتوسيع الحرب إلى لبنان.

لكن هذا يغفل جانباً مهماً من الديناميكية. ألا وهو الغطرسة الاستعمارية الإسرائيلية التي تتصور أنها قادرة على إعادة تشكيل الشرق الأوسط من خلال العنف الجماعي الذي تغذيه الطبيعة الاستبدادية للدول العربية وفشل الحركة الديمقراطية في المنطقة.

الاستبداد يحكم

بعد أكثر من عقد من الزمان منذ الثورات الجماهيرية التي اجتاحت المنطقة، أصبحت النتيجة دولاً ضعيفة، ذات شرعية متنازع عليها، وغير قادرة على ممارسة سلطتها على مواطنيها إلا من خلال العنف الجماعي ــ وهو ما لا يختلف كثيراً عن الطريقة التي تعامل بها “إسرائيل” الفلسطينيين.

ومن نواح عديدة، أدى منطق بقاء الأنظمة بأي ثمن إلى تآكل قدرة هذه الدول على التأثير على الأحداث في المنطقة ــ وفي بعض الحالات، إلى تآكل الأساس الاجتماعي للدولة الوطنية نفسها.

ومن الأمثلة البارزة على ذلك مصر، الدولة العربية الأكثر سكاناً والوحيدة التي لها حدود مع قطاع غزة، مما يجعلها، من الناحية النظرية، واحدة من الدول العربية ذات القدرة الأكبر على التأثير على الصراع وكبح العدوان الإسرائيلي.

وتعتبر مصر أيضًا حليفًا وثيقًا للولايات المتحدة، حيث تلقت مساعدات ضخمة بلغت 183.5 مليار دولار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

لكن هذا التموضع الاستراتيجي تغلب عليه هوس حكومة السيسي بالبقاء، الأمر الذي وضعها في علاقة اعتماد على “إسرائيل”، حتى في الوقت الذي تهدد فيه دولة الاحتلال الاستقرار الذي يطمح إليه النظام المصري.

روابط عميقة

في الواقع، لعبت “إسرائيل” دورا لا يستهان به في تعزيز النظام المصري الحالي بعد انقلاب عام 2013، حيث قدمت الدعم السياسي والتعاون الأمني ​​​​والروابط الاقتصادية العميقة لصالح النخب المصرية بشكل مباشر.

على سبيل المثال، خلال صيف عام 2013، بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، كانت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) تمارس الضغوط نيابة عن النظام العسكري الوليد لضمان استمرار تدفق المساعدات الأميركية.

وقد استمرت العلاقة الوثيقة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وجماعات الضغط الصهيونية، مع ظهور تقارير في فبراير/شباط 2017 تفيد بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي التقى ممثلين عن أكثر الجماعات المؤيدة لإسرائيل نفوذاً، بما في ذلك آيباك، والمنظمة الصهيونية الأميركية (زوا) خمس مرات في عشرين شهراً.

ووصفت العلاقة بين السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنها الأقرب بين أي زعيمين من البلدين منذ معاهدة السلام عام 1979.

وقد ترسخت هذه التقاربات الواضحة في التعاون الأمني ​​الوثيق بين البلدين، مع ظهور تقارير في عام 2018 تفيد بأن “إسرائيل” نفذت في العامين السابقين أكثر من 100 غارة جوية ضد المسلحين في سيناء، بموافقة القاهرة.

وقد امتد هذا التعاون الأمني ​​ليشمل القمع المباشر للمعارضة السلمية في مصر، مع بيع برامج التجسس الإسرائيلية لحكومة السيسي، والتي استخدمته لاختراق هاتف أحمد طنطاوي، وهو عضو بارز في المعارضة العلمانية.

وامتد عمق التحالف إلى قطاع الطاقة، مع توقيع صفقة بقيمة 15 مليار دولار في عام 2018 بين البلدين لاستيراد الغاز الإسرائيلي لإعادة تصديره على شكل سائل.

وكشف تحقيق أجراه الناشط في مجال حقوق الإنسان حسام بهجت، أن الشركة المصرية الخاصة المسؤولة عن الصفقة كانت تديرها المخابرات العامة المصرية، مما سمح للنخب الأمنية في البلاد بالاستفادة من الصفقة بشكل مباشر.

أزمة الديون في مصر

وقد وضعت هذه التبعيات البنيوية العميقة حكومة السيسي في موقف ضعيف للغاية، عاجزة عن كبح جماح “إسرائيل”، حتى عندما طرح نتنياهو فكرة التطهير العرقي في غزة، مع ما يترتب على ذلك من آثار مزعزعة للاستقرار على الحكومة والبلاد.

والواقع أن مصر لم تفعل سوى القليل، باستثناء الإدانة الخطابية، للتأثير على الديناميكية على الأرض. وكان المثال الأبرز على الموقف العام الانتقادي هو الإعلان المصري في شهر مايو/أيار عن عزمها على الانضمام إلى القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية ضد “إسرائيل”.

وفي وقت كتابة هذه السطور، لا توجد أدلة على قيام مصر بذلك. ولكن هناك أدلة على تعميق العلاقات الاقتصادية، حيث وقعت مصر في سبتمبر/أيلول الماضي اتفاقاً آخر مع إسرائيل لزيادة وارداتها من الغاز الطبيعي بنسبة 20%.

وبعد أكثر من عقد من الزمان على الانقلاب، ومع مواجهة حكومة السيسي لأزمة ديون طاحنة واتباعها لمنطق تعزيز السلطة بأي ثمن، تجد نفسها تحت رحمة “إسرائيل” وغطرستها الاستعمارية، عاجزة عن ممارسة النفوذ على أحد أقرب حلفائها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى