تحليلات واراء

عندما تهدد غزة النظام العربي الرسمي بالموت النهائي

وضعت القمة العربية الاستثنائية التي انعقدت مؤخرا في القاهرة لبحث خطّة مصرية لإعادة إعمار غزّة من دون تهجير سكّانها، النظام العربي الرسمي برمّته أمام اختبار صعب لم يعد أمامه من بديل آخر سوى اجتيازه بنجاح، وإلا حكم على نفسه بالموت وفقد مبرّر وجوده.

ويبرز أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة، خطورة أن البيان الختامي لقمة القاهرة لم يوضح ما الذي ينبغي القيام به في حال رفْض خطّتها لإعمار قطاع غزّة وهو ما سارعت الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية إلى إعلانه.

ويعتبر نافعة أن إطلاق اسم فلسطين على قمة القاهرة يوحي بأن العالم العربي يودّ إرسال رسالة إلى كلّ من يهمّه الأمر، مفادها أن إعمار غزّة ليس هدفاً في حدّ ذاته، وإنما ينبغي أن يكون وسيلةً تضمن، في الوقت نفسه، كبح جماح كل العناصر التي قد تتسبّب في إعادة تدميرها، وهو الهدف الأسمى الذي يستحيل تحقيقه إلا بالتوصّل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية.

ويشير إلى أنه منذ إقدام حركة حماس على عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (2023)، لم تُعقَد أيُّ قمّةٍ عربيةٍ استثنائيةٍ، على الرغم من أن “إسرائيل” ردّت على هذه العملية بحرب شاملة على قطاع غزّة، أخذت شكل الإبادة الجماعية، وقامت في الوقت نفسه بتصعيد خطير لعملياتها العسكرية في الضفة الغربية.

ويفسر السبب في هذا التراخي العربي، الذي عكسه عدم الإحساس بالحاجة إلى عقد قمّة استثنائية رغبة معظم الأنظمة الحاكمة في إفساح المجال لإسرائيل للقضاء على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية.

وقال “صحيح أن الأنظمة العربية عبّرت عن القلق إزاء الأضرار التي لحقت بالمدنيين الفلسطينيين، وعن إدانتها الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، لكنّها لم تبدأ في التحرّك بالجدّية الواجبة إلا عقب مؤتمر صحافي عقده ترامب في البيت الأبيض، في حضور بنيامين نتنياهو، الذي كان يزور الولايات المتحدة في ذلك الوقت، عبّر فيه عن رغبته في “الاستيلاء” على قطاع غزّة وتحويله “ريفييرا” شرق أوسطية بعد إخلائه من سكّانه، وطالب مصر والأردن بتخصيص مناطقَ في بلديهما لإعادة توطين الفلسطينيين المُبعَدين”.

ولأن هذه التصريحات الصادمة كان لها وقع الزلزال على قادة المنطقة، خصوصاً بعدما لحقت بها تصريحات أخرى، على لسان نتنياهو هذه المرّة، تشير بطريقة ساخرة إلى أن السعودية تستطيع أن تساعد في إقامة دولة فلسطينية في أراضيها الشاسعة.

وبحسب نافعة “هنا أحسّت هذه الأنظمة بأن أمنها مهدّد بالفعل، وبدأت تتذكّر أن المشروع الصهيوني لا يستهدف فلسطين وحدها، وإنما يشكّل تهديداً فعلياً لأمن جميع الدول المجاورة، ما دفع مصر للمسارعة بالإعلان عن استعدادها لتقديم “خطّة للتعمير بلا تهجير”، وبالدعوة إلى عقد قمّة عربية استثنائية في القاهرة”.

البيان الختامي وموقف حماس

علق نافعة على فحوى البيان الختامي للقمة، والذي تضمّن 23 نقطة تشير إلى ما جرى التوافق عليه من رؤى ومواقف وسياسات.

ولأن الدول المشاركة في القمّة كانت على وعي تام بأن دورها لا ينبغي أن ينحصر في مناقشة الجوانب الفنّية لخطّة الإعمار المصرية، وأن يركّز بدلاً من ذلك على إبراز السياق السياسي العام، الذي يسمح بتنفيذ هذه الخطّة، خصوصاً ما يتعلّق منه بالجهة التي ستوكل إليها إدارة قطاع غزّة بعد توقّف الحرب.

وكذلك بآفاق تسوية القضية الفلسطينية المتمثّلة في حلّ الدولتَين، وهو ما نجح فيه البيان الختامي إلى حدّ كبير، فقد رحّب بقرار السلطة الفلسطينية تشكيل “لجنة لإدارة غزّة” تعمل “تحت مظلّة الحكومة الفلسطينية”، وتضمّ فنّيين لا ينتمون لأيّ أحزاب أو فصائل سياسية، وأكّد أن “ملفّ الأمن مسؤولية فلسطينية”، وأشاد بالجهود التي تبذلها مصر والأردن لتدريب القوات التي سيعهد إليها بهذه المسؤولية.

ولأن الرئيس محمود عبّاس أفصح في كلمته الافتتاحية عن نيّته تعيين نائب لرئيس منظّمة التحرير الفلسطينية، وإصدار قرار بالعفو عن المفصولين من حركة فتح، واتّخاذ الإجراءات كافّة اللازمة لتنظيم انتخابات عامّة في الأراضي الفلسطينية خلال العام المقبل.

وبحسب نافعة فإن ذلك كلّه ولّد انطباعاً بوجود خطّة جاهزة لإصلاح مؤسّسات السلطة الفلسطينية وتطويرها، وتوافر رؤية واضحة للتعامل مع مرحلة ما بعد الوقف الدائم لإطلاق النار.

وأبرو أنه لا جدال في أن “حماس” تتحفّظ على عديد من هذه المواقف والإجراءات، غير أنه كان لديها ما يكفي من الحكمة والفطنة لدفعها إلى عدم الاعتراض علناً على البيان الختامي للقمّة، وولّد انطباعاً جيّداً بأنها تهتم بمستقبل الشعب الفلسطيني، الذي يحقّ له تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، بأكثر ممّا تهتم بالانفراد بحكم قطاع غزّة.

الرفض الإسرائيلي والأمريكي

ما إن انتهت قمّة القاهرة الاستثنائية حتى صدرت عن الحكومة الإسرائيلية تصريحات تؤكّد رفضها كلّ ما تضمّنه بيانها الختامي من مواقف ومقترحات، خصوصاً ما تعلّق منها بخطة إعمار غزّة.

أما الولايات المتحدة، فقد صدرت منها تصريحات تؤكّد أن ترامب ما زال متمسّكاً بمقترحاته السابقة، ويصرّ على “إعمار غزّة خاليةً من حماس والمقاومة”.

ولأن إسرائيل والولايات المتحدة هما الدولتان الأكثر تأثيراً في مسار الأحداث في المنطقة في المرحلة الحالية، يمكن القول إن موقفيهما سوف تترتّب منهما حتماً إعادة الكرة إلى الملعب العربي، وبات على الدول العربية أن تحدّد طبيعة الخطوة التي تنوي القيام بها في المرحلة المقبلة.

وهنا تتجلّى بوضوح أكثر عورات قمّة القاهرة أهمية، خصوصاً أن بيانها الختامي لم يحدّد للدول العربية ما ينبغي لها القيام به في حال رفض خطّتها لإعمار قطاع غزّة، وانسداد أفق التسوية السياسية للقضية الفلسطينية من جديد.

ويختم نافعة بأن الدول العربية تملك أوراقاً كثيرةً للضغط، لكنّها لم تستخدمها، ولم تفعّلها بعد، ويبدو أنها لا تملك ما يكفي من الإرادة للقيام بهذه الخطوة، فماذا تنتظر بعدما قرّر نتنياهو قطع سبل الحياة كلّها عن قطاع غزّة؟ هل تنتظر قراره باستئناف القتال وفتح طوفان الجحيم، كما يأمل بن غفير؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى