المواطنون في غزة ينتشلون شهدائهم بأيديهم العارية من وسط الأنقاض
يواصل المواطنون في قطاع غزة عمليات انتشال شهدائهم بأيديهم العارية من وسط الأنقاض تمهيدا لدفنهم بشكل لائق بعد أكثر من 15 شهرا من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على القطاع.
وتتم عمليات انتشال الشهداء بإمكانيات بدائية للغاية في ظل نقص شديد بالمعدات والآليات اللازمة لدى جهاز الدفاع المدني في غزة الذي كان هدفا دائما للهجمات العسكرية الإسرائيلية.
وأفاد جهاز الدفاع المدني بأن طواقمه انتشلت منذ وقف إطلاق النار يوم الأحد الماضي، 162 جثمان شهيد من تحت أنقاض المنازل والمباني التي استهدفها الاحتلال الإسرائيلي في مختلف مناطق القطاع.
وقال الجهاز في إحصائية يومية بأعداد جثامين الشهداء التي انتشلتها طواقمه، إنه انتشل أمس الأربعاء 9 شهداء؛ 2 في محافظتي غزة والشمال و7 من محافظات الجنوب.
وذكر الجهاز أنه “لا تزال جثامين آلاف الشهداء المفقودة تحت ركام المنازل والمباني التي دمرها الاحتلال، غير قادرة طواقمنا الوصول إلى أماكنها وانتشالها لعدم توفر المعدات والآلات الثقيلة”.
وكان مكتب الإعلام الحكومي في غزة أعلن أمس أن “14 ألفاً و222 مفقوداً خلال حرب الإبادة الجماعية التي شنها الاحتلال على القطاع لم يصلوا إلى المستشفيات حتى 18 يناير 2025”.
وقال محمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة: “إننا نبذل جهوداً مضنية لجمع الجثث وإعادة دفن الشهداء في المقابر المخصصة لذلك. لكننا نواجه تحديات هائلة ونقص حاد في الموارد، وأدوات محدودة للبحث وإزالة الأنقاض، ونقص حاد في المعدات اللازمة للوصول إلى الجثث”.
تشير تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن قطاع غزة يضم أكثر من 42 مليون طن من الأنقاض التي يتعين إزالتها. وتزداد العملية تعقيداً ليس فقط بسبب الافتقار إلى المعدات المناسبة مثل الحفارات، بل وأيضاً بسبب الذخائر غير المنفجرة.
وقال بصل “إننا نواجه مهمة شاقة في البحث عن جثث أكثر من عشرة آلاف شهيد مدفونين تحت أنقاض المنازل”، وأضاف أن جثث نحو 2840 شخصاً يعتقد أنها تحللت وتفككت بسبب أنواع الأسلحة المستخدمة خلال الصراع.
وبينما تركز وكالات الإغاثة على المساعدات الغذائية، لجأت الأسر إلى الحفر بأيديها العارية، في محاولة لانتشال جثث أحبائها.
وفي حي تل السلطان برفح، يبحث صبحي زياد (53 عاماً) عن أطفاله الثلاثة الذين شوهدوا آخر مرة بالقرب من البلدية.
ويقول زياد: “منذ بدء الهدنة، نركض بحثاً عنهم، لكن المنطقة بأكملها تحولت إلى أكوام من الأنقاض والرماد. لا نستطيع تحديد مكانهم، على الرغم من محاولة العديد من الناس مساعدتنا”.
وتابع “لقد طلبنا المساعدة من فرق الدفاع المدني والإسعاف، لكنهم مثقلون بالهموم ويفتقرون إلى الموارد اللازمة لإجراء عمليات بحث موسعة. وفي الوقت الحالي، لا يمكنهم سوى انتشال الجثث المرئية”.
وقال زياد “إن كرامة الموتى تكمن في دفنهم، وأنا أريد فقط أن أدفن أبنائي الثلاثة – عماد وسعيد ورمزي – مثل أي شخص آخر. أريد أن يكون لهم قبر يمكنني زيارته. وإذا لم يحدث ذلك، فسوف يظل هذا الأمر مؤلمًا بالنسبة لي لبقية حياتي”.
ولا يزال عثمان البيك (42 عاماً) يبحث عن جثث شقيقه إبراهيم وابني أخيه فادي ومحمد الذين استشهدوا في غارة على بيت لاهيا. وقال البيك: “رفض أخي مغادرة منزله رغم المخاطر، وبقي مع ولديه”.
وقال البيك “أمنيتنا الوحيدة هي العثور على جثثهم حتى نتمكن من تكريمهم بدفن لائق. وإذا ظلوا في عداد المفقودين، فسوف يظل الحزن في قلوبنا إلى الأبد”.
وقد يستغرق إزالة المواد الخطيرة المتبقية من الحرب الإسرائيلية 21 عاما وقد يكلف ما يصل إلى 1.2 مليار دولار، وفقا لتقييم الأضرار الذي أجرته الأمم المتحدة.
ونظرا لأن فترة وقف إطلاق النار الأولية تبلغ ستة أسابيع قبل اتخاذ خطوات نحو وقف إطلاق نار أكثر ديمومة، فإن الأسر في غزة تتحرك بسرعة لمحاولة استعادة ما تبقى من أقاربها.