تحليلات واراء

عباس يتنكر لتعهده بزيارة غزة المكلومة وكأنه لم يكن أصلا

تنكر الرئيس محمود عباس لتعهده بزيارة قطاع غزة وكأنه لم يكن رغم مرور أكثر من خمسة أشهر على إعلانه ذلك ودخول سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة ودولة الاحتلال الإسرائيلي حيز التنفيذ منذ نحو عشرة أيام.

ففي 15 آب/أغسطس من العام الماضي صرح عباس أمام البرلمان التركي، بأنه سيقوم بالتوجه إلى غزة برفقة كل القيادة من أجل الضغط لوقف حرب الإبادة الجماعية.

لاحقا اجتمعت اللجنتين المركزية لحركة فتح والتنفيذية لمنظمة التحرير للتحضير للزيارة المزعومة، وعلق المحللين وكتبوا عن ضرورة وأهمية وآثار الزيارة التي لم تحصل حتى الآن.

ومن دون أن يحدد موعدا أو خطوات عملية لإمكانية زيارته غزة المفجوعة بالشهداء والتدمير والخراب، اكتفى عباس بمطالبته مجلس الأمن الدولي بتأمين وصوله وأعضاء القيادة الفلسطينية إلى غزة.

كما أنه دعا قادة الدول العربية والإسلامية والصديقة والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش إلى المشاركة في زيارة غزة والتواجد بين أهلها.

لكن هذا الإعلان الذي روجه له الإعلام الرسمي التابع للسلطة الفلسطينية ذهب أدراج الرياح ولم يتم ترجمته على أرض الواقع بأي صورة حتى لو من قبيل الضغط الفعلي على الاحتلال لزيارة وفد مصغر.

إذ أثبتت الأحداث وليس اللغة الخطابية، أن كل ما فعله عباس هو استمرار التخلي الكامل عن أهل غزة رغم كل ما يعانوه من أهوال ومأساة نتيجة حرب الإبادة عبر قطع كل محاولات التوافق الداخلي على ترتيبات اليوم التالي للحرب.

وهنا يتساءل المراقبون: لماذا كان الوعد الذ أطلقه عباس من الأساس، وهل كان فقط مجرد استجابة لطلب تركي من دون وجود رغبة أو تحرك بتفعيل الزيارة؟.

وبحسب المراقبين فإن السلبية التي تعاملت وتتعامل بها قيادة السلطة الفلسطينية تجاه غزة وكل ما يتعلق بها هو سبب مباشر في كل ما وصله إليه القطاع المدمر.

العزلة التامة لعباس

وقد أثبت الطابع الدعائي الذي اكتفى به عباس حقيقة موقفه في ظل عزلته التامة عن أي تأثير حقيقي على المشهد السياسي والميداني الفلسطيني لا سيما ما يتعلق بحرب الإبادة وما يجرى في قطاع غزة.

ويتم ترجمة ذلك بما تظهره استطلاعات الرأي الفلسطينية التراجع الشديد في شعبية عباس (89 عاما) الذي لم يخض سوى انتخابات رئاسية عام 2005 ورفض وعرقل منذ ذلك الوقت أي انتخابات جديدة.

وأظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ونشر صيف هذا العام، أن 85٪ من الجمهور الفلسطيني غير راض عن أداء عباس، بينما يطالبه نحو 94% بالاستقالة.

ووفقا لنتائج الاستطلاع، تعتقد نسبة تزيد قليلا عن النصف من الجمهور الفلسطيني أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” هي الأحق بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني اليوم فيما تقول نسبة من 16% فقط أن حركة “فتح” بقيادة عباس هي الأحق بذلك.

إدارة الظهر للتوافق الداخلي

بموازاة تجاهله غزة ومعاناتها، يستمر عباس وأركان نظامه في إدارة الظهر للحاجة إلى الحوار الوطني والتوافق الداخلي لمجابهة أخطر مراحل القضية الفلسطينية على الإطلاق.

ويؤكد مدير مركز مسارات للأبحاث والدراسات في رام الله هاني المصري، أنه لا بد حتى لا تضيع البطولات الباسلة والتضحيات الغالية والجسيمة، من مبادرة فلسطينية بمستوى التحديات والمخاطر وقادرة على توظيف الفرصة المتاحة، عبر الاستجابة لمبادرات عديدة بالدعوة إلى حوار وطني شامل ينتج منه:

أولًا: قرار لا رجعة فيه بتطبيق ما جاء في إعلان بكين، سواء بتشكيل حكومة وفاق وطني بمرجعية وطنية، وتفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، والتحضير لانتخابات شاملة على كل المستويات، حيث نحقق وحدة المؤسسة والقيادة والقرار في السلم والمقاومة، وبذلك نسحب الذرائع من يد الاحتلال وشركائه لمواصلة العدوان ولو من خلال أشكال جديدة، مثل عمليات اغتيال وقصف مركزة ومتواصلة تمنع الاستقرار والإغاثة والإعمار وتدفع الممولين والمستثمرين للهرب.

ثانيًا: مواصلة الحوار لبلورة رؤية شاملة واستراتيجيات قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية المباشرة، وعلى رأسها حق تقرير المصير وإنهاء الاحتلال بوصفه شرطًا لإنجاز استقلال دولة فلسطين على حدود عام 1967 باعتبار ذلك خطوة على طريق تحقيق الأهداف الوطنية كاملة.

وفي حال عدم استجابة القيادة لنداء الوحدة، كما هو حاصل حتى الآن، على القوى والشخصيات التي تتفق على القواسم المشتركة المبادرة إلى تشكيل لقاء وطني أو جبهة وطنية تهدف إلى الضغط على القيادة حتى تستجيب للمصلحة الوطنية ولقرارات الإجماع الوطني بتحقيق الوحدة وشراكة حقيقية، باعتبارها أولوية وضرورة وطنية وحدة تحافظ على التعددية وتنميها، على أن تقدم هذه الجبهة نماذج وحدوية بالقول وعبر أعمال مشتركة تمنع نشوء فراغ يُمكِّنُ دولة الاحتلال من تحقيق أهدافها، أو تسهل عهد الوصاية والاحتواء والبدائل العربية والدولية .

ويختم المصري بأنه من دون وحدة على أساس وطني ديمقراطي كفاحي وشراكة حقيقية سنكون أمام إضاعة ما تحقق بعد الصمود الأسطوري والبطولة الباسلة، وتعميق الانقسام وتعميمه، وضياع الحقوق الفلسطينية ووحدانية التمثيل الفلسطيني، وحتى ندحر ذلك لا بد من التمسك ببرنامج وطني واقعي بعيدًا عن التخاذل والتهور؛ برنامج يحفظ الحقوق وقادر على تحقيق الأهداف والتحليق إقليميًا ودوليًا. فهل نتعظ قبل فوات الأوان؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى