معالجات اخبارية
أخر الأخبار

تحليل قانوني لقرارات محافظي الخليل ونابلس.. تعارض دستوري

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أصدر محافظا الخليل ونابلس في 29 كانون الأول/ديسمبر 2024 قرارات إدارية تحظر التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية، وتستهدف أي تصريحات من شأنها إثارة الفتن أو تهديد الأمن العام.

ورغم أن هذه القرارات تهدف إلى الحفاظ على النظام العام، فإنها تثير تساؤلات قانونية ودستورية حول مدى توافقها مع أحكام القانون الأساسي الفلسطيني المعدل، الذي لا يعترف بمنصب “المحافظ”.

وفي هذا السياق، يسلط المحامي الدكتور عصام عابدين، خبير في الشؤون القانونية والحقوقية، الضوء على التناقضات بين هذه القرارات وأحكام الدستور الفلسطيني، مشيراً إلى أن منصب المحافظ نفسه يعد غير شرعي وفقاً للقانون الأساسي، مما يضع قرارات المحافظين في دائرة الجدل القانوني.

تعارض منصب المحافظ مع القانون

وقال عابدين إن القانون الأساسي الفلسطيني لا يعترف بوجود المحافظين في أي من نصوصه. وبناءً عليه، فإن استمرار وجود هذا المنصب يتعارض تماماً مع النصوص الدستورية التي تُنظم الإدارة المحلية عبر مجالس محلية منتخبة وفقاً للمادة (85) من القانون الأساسي.

وأوضح عابدين: “منصب المحافظ كان موجوداً في الحقبة الأردنية، لكن مع نشر القانون الأساسي الفلسطيني في 7 يوليو 2002، انتهى هذا المنصب من الناحية الدستورية. وقد حافظ القانون الأساسي المعدل في 19 مارس 2003 على هذا الموقف، مما يجعل استمرار عمل المحافظين بمثابة انتهاك للمرجعية الدستورية الفلسطينية.”

وتابع “رغم أن الرئيس أصدر مرسوماً في عام 2003 يحدد اختصاصات المحافظين، فإن هذا المرسوم يخالف بشكل واضح نصوص القانون الأساسي الفلسطيني. كما أن مرسوم 2021 المعدل يعزز هذا الخرق بتوسيع صلاحيات الرئيس في تعيين المحافظين، وهو ما يجعل أي قرار صادر عنهم غير قانوني.”

موقف الرئيس من تعيين المحافظين

وأكد عابدين أن الرئيس لا يملك صلاحية قانونية لتعيين أو تعديل اختصاصات المحافظين، لأن الدستور الفلسطيني لا يعترف بهذا المنصب، مما يجعله غير شرعي.

وأوضح أن استمرار منصب المحافظ يشكل خرقًا واضحًا للقانون الأساسي الفلسطيني المعدل، وأن القرارات الصادرة عن المحافظين غير قانونية.

وأشار إلى أن القانون الأساسي لعام 2003 يحدد صلاحيات الرئيس ضمن نطاق معين، فيما تقع الصلاحيات التنفيذية والإدارية تحت اختصاص مجلس الوزراء، وليس الرئيس.

وأضاف عابدين: “تنص المادة (38) من القانون الأساسي بوضوح على أن الرئيس يُمارس سلطاته ومهامه التنفيذية وفقًا لما هو محدد في هذا القانون، كما تؤكد المادة (63) أن الصلاحيات التنفيذية والإدارية تقع ضمن اختصاص مجلس الوزراء، باستثناء ما هو منصوص عليه صراحة للرئيس”.

محاولة تعديل المادة (38)

وأوضح عابدين أن هناك محاولات سابقة لتعديل المادة (38) من القانون الأساسي، وتحديدًا في عام 2005، عندما تم تقديم مشروع قانون لاستبدال عبارة “هذا القانون” (القانون الأساسي) بـ “القانون” (القانون العادي).

وأضاف: “كان الهدف من هذا التعديل توسيع صلاحيات الرئيس، إلا أن المحاولة باءت بالفشل، لعدم حصول المشروع على النصاب القانوني اللازم المتمثل في موافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي، وفقًا لما تنص عليه المادة (120) من القانون الأساسي”.

قرارات المحافظين

وأشار عابدين إلى أن قرارات “المحافظين” المتعلقة بـ”التحريض”، و”إثارة الفتن”، و”الإخلال بالأمن العام” تُعتبر انتهاكًا واضحًا للقانون الأساسي الفلسطيني المعدل والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها فلسطين، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وأكد: “هذه المصطلحات الفضفاضة وغير المحددة تُشكل خرقًا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليه في المادة (15) من القانون الأساسي، كما أنها تخالف المعايير الدولية المعروفة بـ ‘Three-Part Test’، الذي يشترط وضوح النص القانوني، وارتباطه بهدف مشروع، وضرورته في مجتمع ديمقراطي”.

ونبّه عابدين إلى خطورة التجريم بناءً على قرارات إدارية غامضة، قائلاً: “هذه القرارات تفتح الباب للتأويل التعسفي، وتقوض أسس العدالة وسيادة القانون، وتُعد انتهاكًا صارخًا لحرية التعبير التي يجب أن تُحمى، حتى في أشد حالات النقد للسلطة”.

 شغور منصب الرئيس

وفيما يخص الإعلان الدستوري المتعلق بشغور منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، قال الدكتور عابدين: “هذا الإعلان يمثل تحديًا خطيرًا للمبادئ والقيم الدستورية، ويضرب في جوهر إرادة الشعب الفلسطيني، باعتباره مصدر السلطات والسيادة”.

وأضاف: “هذا النوع من القرارات يضع مستقبل النظام السياسي والدستوري الفلسطيني على المحك. يجب أن تكون هناك وقفة جادة من المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية لرفض هذه الانتهاكات، وضمان احترام النصوص الدستورية ومبدأ سيادة القانون”.

ودعا الدكتور عابدين إلى ضرورة أن يتصدى المجتمع المدني لهذه الانتهاكات، قائلاً: “على المجتمع المدني أن يلعب دورًا محوريًا في فضح هذه التجاوزات، من خلال إعداد تقارير قانونية مُوثقة تُرسل إلى آليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان وسيادة القانون”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى