قراءة في محاولات ترقيع “القيادة” الفلسطينية الرسمية بضغط خارجي
وسط انسلاخها عن الهموم الوطنية

تدفع القيادة الفلسطينية الرسمية للسلطة ومنظمة التحرير بضغط خارجي إلى ترقيع جديد في هيكلها القيادي وسط انسلاخها عن الهموم الوطنية وما يعانيه الشعب الفلسطيني من عواصف وتحديات بفعل العدوان الإسرائيلي الشامل.
ومن المقرر أن يعقد “المجلس المركزي” لمنظمة التحرير دورة اجتماعات بين 21 – 26 إبريل/ نيسان الجاري في رام الله وفق الدعوة التي وجهها مؤخرا روحي فتوح باعتباره المُعيّن رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني، إلى “أعضاء المجلس المركزي” إلى عقد الاجتماعات المرتقبة.
ويتضمن جدول الأعمال “تعديلاً وتنقيحاً لمواد في النظام الأساسي للمنظمة واستحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية”، وهو القرار الذي كان أعلنه رئيس السلطة محمود عباس في خطابه أمام القمة العربية الطارئة مطلع الشهر الماضي.
ويبرز مراقبون أنه بالنسبة للقيادة الفلسطينية الرسمية فإن المشكلات الوطنية تبدو مقصورةٌ على استحداث منصب وتعديل بعض مواد النظام الأساسي، ذلك أن تهجير 50 ألفاً من مخيّمات اللاجئين في جنين وطولكرم، وتدمير مئات البيوت، وذبح أهالي غزّة، هي شؤون من هموم المجتمع الدولي.
وينبه الخبير الفلسطيني في القانون أنيس فوزي قاسم، إلى أن مطرقةً أجنبيةً نزلت على رأس القيادة تطلب منها تسمية “نائب رئيس”، تمهيداً لكي تتولى شخصية ما مُعدَّة لهذا المنصب، فالقرار الوطني الفلسطيني “المستقلّ” يأتي من خارج القيادة، وهموم القيادة هي هموم الآخرين، وليست هموم شعبها. و
بالعودة إلى الدعوة والمدعوين على حدٍّ سواء، هل يملك المجلس المركزي صلاحيات اتخاذ قرارات بهذا الحجم والأهمية؟ وهل ينسجم هذا مع الوثائق الأساسية لمنظمّة التحرير وقرارات المجلس الوطني؟
يرد قاسم بأن دعوة المجلس المركزي وما يترتب عليها من قرارات، باطلة، وإن المؤسّسات الموجودة كلّها في الساحة الفلسطينية من مجلس وطني ومجلس مركزي ولجنة تنفيذية ورئاسة، انتهت صلاحيّتها، ولم تعد تمثّل شرعيةً وطنيةً، لا في جانبها الدستوري ولا في جانبها الثوري، بل جميعها في وضع “اغتصاب سلطة”.
ويقول “لا تعليق على شرعية السلطة الفلسطينية، ذلك أنها في أساسها جزءٌ من الحكم العسكري الإسرائيلي الذي قالت عنه محكمة العدل الدولية إنه غير شرعي. وبالنتيجة، كلّ ما ينتج من هذا الاحتلال غير الشرعي باطل كذلك”.
وقد كان عبّاس قد أصدر قبل ثلاث سنوات تقريباً قراراً حدّد، في إحدى حيثياته، أنه يستند إلى قرار المجلس الوطني في دورته الثالثة والعشرين “بتفويض المجلس المركزي الفلسطيني بمهام المجلس الوطني كاملةً”، في إجراء وصف بأنه باطل ومجرد بدعةً.
إذ أن يتنازل المجلس الوطني عن مهامّه السيادية كلّها من رقابة وتشريع إلى جهة أخرى، حتى لو كانت هذه سياديةً، غير جائز على نحو مطلق، فالميثاق الوطني الفلسطيني والنظام الأساسي لمنظمّة التحرير لم ترد فيها أيّ نصوص بتفويض أيّ جهة أخرى بمهامها جزئياً أو كلياً.
وتؤكّد المادّة 7 من النظام الأساسي أن “المجلس الوطني هو السلطة العليا لمنظمّة التحرير، وهو الذي يضع سياسة المنظمّة ومخطّطاتها وبرامجها”، وهو الذي ينتخب أعضاء اللجنة التنفيذية، ويملأ شواغرها.
وتبيّن المادّة 10 سلطاته، أنه ينظر في التقرير السنوي الذي تقدّمه اللجنة التنفيذية، وفي تقرير الصندوق القومي، وفي أيّ توصياتٍ تقدّم له من اللجنة التنفيذية أو من لجان المجلس.
بالتالي هذه مهام سيادية، وليس للمجلس حقّ التفويض فيها، لغياب النصّ أولاً، ولأن مثل هذه القضايا لا يجوز التفويض فيها حسب المفاهيم العامّة للقانون الدستوري. والظن الغالب أن عبّاس لم يستدرج رأياً قانونياً من “محام مستقلّ”، وذي خبرة في هذا الفرع من القانون.
وقد ولد المجلس المركزي بقرار من المجلس الوطني في دورته 13 في مارس/ آذار 1977 في القاهرة، ليكون حلقة وصل بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية بين كلّ دورتَين عاديتَين من دورات المجلس.
وشكّل المجلس المركزي وحدّدت مهامّه، والعضوية فيه من “اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني وعدد من الأعضاء”، وجميعهم أعضاء في المجلس الوطني، ثم ألغي هذا القرار في الدورة 18 في 1984، وصدر قرار بإنشاء المجلس المركزي ويرأسه رئيس المجلس الوطني، وعضويته من أعضاء اللجنة التنفيذية ورئاسة المجلس الوطني وممثّلين عن الفصائل والاتحادات والعسكريين والمستقلين.
أمّا اختصاصاته فهي “اتخاذ القرارات في القضايا والمسائل التي تطرحها عليه اللجنة التنفيذية” و”متابعة تنفيذ اللجنة التنفيذية لقرارات المجلس الوطني”.
وتنصّ اللائحة الداخلية للمجلس على أن “يقوم مكتب رئاسة المجلس الوطني بمتابعة أعمال المجلس المركزي وتنفيذ قراراته”، وتنصّ الاختصاصات على “أن يلتزم المجلس المركزي بقرارات المجلس الوطني، ولا يجوز له تعديلها أو إلغاؤها أو تعطيلها أو اتخاذ قرارات تتناقض معها”.
ومن مقارنة صلاحيات المجلس الوطني بصلاحيات المجلس المركزي، تبدو الصورة واضحة، فالأول هو “السلطة العليا”، والثاني يراقب اللجنة التنفيذية في “تنقيذ قرارات المجلس الوطني”، أيّ سلطة إدارية.
يضاف إلى ذلك أن العضوية في المجلس المركزي تضم أعضاء اللجنة التنفيذية، فهل يستساغ أن تراقب اللجنة التنفيذية نفسها؟… فضلاً عن أن مكتب رئاسة المجلس الوطني هي التي تراقب المجلس المركزي، أيّ أن اليد العليا تظلّ للمجلس الوطني، ويظلّ المجلس المركزي “تابعاً” للمجلس الوطني. فكيف يكون مقبولاً أن يتولّى “التابع” مهام “سيده” كلّها؟… لا يستقيم هذا الوضع إذا قرأنا الوثائق قراءةً واعيةً.
ويشدد قاسم بناء على مّا سبق، أن الدعوة الموجّهة من روحي فتوح، وما تضمّنته من بنود جدول الأعمال، مثل تعديل النظام الأساسي، واستحداث منصب رئيس اللجنة التنفيذية، باطلة ابتداءً، فبنود جدول الأعمال تنطوي على أعمال سيادية تدخل في اختصاص المجلس الوطني، ولا يملك “المركزي” صلاحية التقرير بشأنها، حتى لو تمّ تفويضه بذلك، لأن الميثاق الوطني والنظام الأساسي لم يمنح أي جهة سلطة التفويض.