تحليلات واراء

حملات تكفير المقاومة والركوع الرسمي العربي أمام وحشية الاحتلال

تنتهج وسائل الإعلام الرسمية لدول التطبيع العربي حملات تحريض وتشويه وصلت حد تكفير المقاومة ومحاولة النيل من صورتها بل وحد تحميلها أوزار الركوع الرسمي العربي أمام الغطرسة الأميركية والوحشية الإسرائيلية.

ويبرز الكاتب والمحلل المصري وليد قنديل بأنه لدى فحص الموجة الجديدة من رجم المقاومة بمستصغر الحجارة وسفيه العبارة، وتحميلها المسؤولية عن إضعاف الواقع العربي أمام الاحتلال، بإقدامها على اجتراح بطولة “طوفان الأقصى”، من المهم (بل من الواجب) إلقاء نظرةً على هذا الواقع العربي قبل “الطوفان” وبعده.

إذ قبل “طوفان الأقصى”، لم تكن دولة عربية من الدول التي توصف بأنها من الأشقاء، تستطيع أن تقول للاحتلال الصهيوني “لا”، خصوصاً بعد “كامب ديفيد” الثانية، التي أدخلت الإمارات والبحرين (في سبتمبر/ أيلول 2020) في حظيرة التطبيع الأشمل رسمياً، فيما بقيت السعودية في قائمة الانتظار، وانطلقت عملية وضع ما سمّي “اتفاق أبراهام” موضع التنفيذ.

قبل ذلك بقليل، كانت دول عربية تمنح أصواتها لمصلحة مرشّحين في هيئات تابعة للأمم المتحدة، فيما كانت طائرات الاحتلال تحلّق في سماء سيناء المصرية بغير إذن.

كما قبل ذلك بثلاث سنوات، وفي ديسمبر/ كانون الأول 2016، أعلن مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، أن مصر منحت (إسرائيل) تفويضاً مطلقاً لنشر طائرات من دون طيار فوق شبه جزيرة سيناء، لاستهداف مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الموجودين فيها.

كما شهدت السنوات السابقة على “الطوفان” انعقاد أوّل قمّة في النقب الفلسطينية المحتلة، تترأّسها إسرائيل ويحضرها العرب (مصر والإمارات والمغرب والبحرين)، ويمكنك أن تُعدّد مشاهدَ من التقزّم العربي الرسمي الكامل أمام الغطرسة الإسرائيلية.

إذ بدأت تلّ أبيب تتصرّف وكأنّها امتلكت مفاتيح الشرق الأوسط كلّه في فترتي ترامب ثمّ بايدن، وصار العداء لفكرة المقاومة التزاماً يجمع العرب الرسميين والصهاينة تحت مظلّة الولايات المتحدة، من دون قدرة على التمرّد على هذا المسار الكارثي.

وقد استمرّ الأمر على هذا النحو حتى جاء “7 أكتوبر”، ليوفّر الفرصة لانتشال النظام العربي من وحل التبعية الكاملة للمشروع الصهيوني، لتكون غزّة المعلّم الحقيقي الذي أعاد للعرب القدرة على تهجّي أبجدية الكرامة، وعلّمهم أن يقولوا “لا” في وجه من رآهم قطيع غنم يسوقه كيف يشاء.

كما أوجدت أدواراً لأنظمةٍ كانت مهملةً مثل ماكينات خَرِبة، اعتلاها الصدأ، لتصبح لها أهمية لدى البيت الأبيض، وتلعب أدواراً يختارها الجالس في البيت الأبيض، تمنحها فرصاً للتربّح المالي (قروض ومنح وإسقاط ديون أو تأجيلها)، وللتكسّب السياسي من طريق إيهام شعوبها بأنها تتحدّى الأقوياء.

هنا وجدنا بعض الأنظمة العربية تنتحل مواقفَ المقاومةِ وتستعير أزياء الممانعين، وتتقمّص أدوار المناضلين، وتتمرّد، ولو تظاهراً أمام شعوبها، على إملاءات دونالد ترامب، التي استفزّت غضباً شعبياً عارماً انعكس في لغة الدبلوماسية العربية الرسمية، التي راحت تتسابق في إصدار بياناتٍ تُطرب الجماهير العطشى لماء الكرامة والصمود.

وذلك حتى شُبِّه لها أن طبول الحرب تدقّ، وأن حكوماتها تستعدّ للقتال ضدّ الغطرسة الإسرائيلية الأميركية، على نحو ما فعلت “حماس” والمقاومة في 7 أكتوبر (2023).

وبحسب قنديل فقد استثمرت الدول العربية في صمود المقاومة الفلسطينية أمام العدوان الإسرائيلي، على الرغم من أن بعض هذه الدول كانت متواطئةً مع هذا العدوان، بل لعب بعضها أدواراً أسوأ بكثير من فكرة التواطؤ.

وقال “وجدنا، مع اضطرار العدو للقبول بوقف القتال مع مجيئ دونالد ترامب، من يدّعي وصلاً بما وصفه إعلامه الرسمي أنه “انتصار المقاومة”، وينسب لنفسه أدواراً فيه، ثمّ يصادر الهتاف الصادق للجماهير الغاضبة ويستولي عليه، ويوظّفه لمصلحته بالسماح بتظاهرات يتحكّم فيها، ويوجّهها حيث يشاء”.

وأشار قنديل إلى أن ذلك استمر حتى قرر صهاينة البيت الأبيض البدء في عملية محو غزّة من الوجود، وتهجير شعبها، والقضاء نهائياً على حركة حماس وفصائل المقاومة.

وهنا، استؤنفت حملات تكفير المقاومة والسخرية منها، وتحميلها أوزار الركوع الرسمي العربي أمام الغطرسة الأميركية والوحشية الصهيونية، وصرنا نسمع ونقرأ ونشاهد وصلات من الإدانة لمبدأ المقاومة ذاته، والسخرية من محاولة التحرّر من الاحتلال، بل والبدء في تأليب الشعب الواقع تحت الاحتلال على من يقاومون الاحتلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى