تحليلات واراء

دولة الاحتلال أمام مخاطر حرب طويلة وممتدة على عدة جبهات

بعد عقود من حرب عام 1973، أصبحت دولة الاحتلال الإسرائيلي اليوم مهددة ومواجهة ليس فقط في القتال ضد المقاومة الفلسطينية ولكن أيضًا “محور المقاومة” الذي يعد بخوض حرب طويلة وممتدة على عدة جبهات.

وهذا يضيف خصوصية أخرى إلى حرب غزة: هذه المرة تخوض “إسرائيل” حربًا مطولة بلا نهاية في الأفق. في غزة تنفذ عمليات برية وجوية ولكن التهديد الذي يشكله حزب الله على حدودها الشمالية لا يزال يشكل عامل قلق عميق.

كما أن عمليات مواجهة المقاومة في الضفة الغربية تبقي القوات الإسرائيلية متورطة هناك ولكن خارجيًا فإن التهديد الذي تشكله فصائل محور المقاومة من سوريا والضربات الجوية من قبل إيران أو العمليات العسكرية في البحر الأحمر من قبل الحوثيين من اليمن تجعل هذه الحرب شأنًا معقدًا للغاية.

حرب غير مسبوقة

لتلخيص خصوصيات هذه الحرب، فهي المرة الأولى التي تشن فيها “إسرائيل” حرباً داخل أراضيها؛ وهي المرة الأولى التي تخوض فيها حرباً طويلة الأمد وليس حرباً قصيرة وحاسمة؛ وهي اليوم تواجه ليس تهديدات مفردة بل تهديدات متعددة، ومعضلة أمنية لم تواجهها دولة الاحتلال منذ عام 1973.

إن العيوب القاتلة في هذه الحرب تكمن في المجال السياسي والقانوني. فكلما تورطت “إسرائيل” في صراع عسكري مطول، كلما ازدادت احتمالات تفاقم مشاكلها السياسية والقانونية.

وإن تحديد مقدار القوة التي ينبغي استخدامها أثناء الحملة العسكرية هو في الواقع قرار سياسي تتخذه القيادة السياسية.

وبدون هدف سياسي واضح، فإن أي استراتيجية عسكرية سوف تفقد اتجاهها لأنها تستخرج المصداقية من الإرادة السياسية والهدف السياسي الواضح الذي حددته القيادة السياسية.

وإذا كانت الحرب عملاً سياسياً، كما وصفها كارل فون كلاوزفيتز، فإن قادة الجيش سوف يترددون في المضي قدماً في تنفيذ الحرب باعتبارها عملاً سياسياً في غياب هدف سياسي واضح.

حرب بلا هدف نهائي واضح

إن العالم بأسره سوف يستمر في رصد المعاناة في غزة إذا ظل العنصر السياسي في الاستراتيجية الإسرائيلية لخوض هذه الحرب بلا هدف نهائي واضح.

وحتى الآن يبدو أن الهدف السياسي ليس مجرد القضاء على المقاومة، بل السعي إلى تحقيق أجندة أوسع نطاقاً تترك العالم في حيرة بشأن الدوافع الحقيقية ل”إسرائيل” لخوض هذه الحرب.

والخطر هنا هو أن هذا النهج الإسرائيلي قد يؤدي إلى صراع أوسع نطاقاً في المنطقة.

وتروج دولة الاحتلال أنها قتلت آلاف المقاومين في غزة لكن ما لا تشاركه هو عدد المقاومين الذين تم تجنيدهم من قبل حماس وفصائل المقاومة لمواصلة القتال ضد هذا الطغيان الإسرائيلي.

وعلى الصعيد السياسي، تواجه “إسرائيل” عزلة عالمية، وعلى الصعيد القانوني، تعرضت أفعالها للتحدي في محكمة العدل الدولية التي أعلنت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مجرم حرب.

ويتحدى العالم شرعية العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ويسحب سجادة الشرعية من تحت أقدام قواتها المسلحة المقاتلة.

وبدون وجود هدف سياسي واضح لإنهاء الحرب، تستمر “إسرائيل” في إلحاق تكاليف باهظة باقتصادها ومجتمعها وجيشها، وقبل كل شيء بسمعتها وعلاقاتها الدولية.

وهذا يقود إلى الجزء الأخير من تسليط الضوء على بعض الافتراضات الأمنية المتنامية بشأن حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة.

الافتراض الأول هو أن “إسرائيل” سوف تحتاج إلى حرب طويلة الأمد للتغلب على التهديد الذي تواجهه والتهديدات الإضافية التي يخلقها. وفي غياب هدف سياسي واضح واستراتيجية للخروج فإن دولة الاحتلال سوف تستمر في خوض حرب طويلة الأمد.

أما الافتراض الثاني فيتعلق بقدرة “إسرائيل” على خوض هذه الحرب. فهي تحتاج إلى مخزونات أكبر من الأسلحة والذخيرة وقطع الغيار لخوض هذه الحرب.

وفي الوقت الحالي، تستطيع “إسرائيل” أن تستمر في الاعتماد على الولايات المتحدة، ولكن في الأمدين المتوسط ​​والبعيد، إذا ما انجرت الولايات المتحدة إلى مسرح عمليات آخر، فإن قدرة دولة الاحتلال على تنفيذ عمليات عسكرية متزامنة على جبهات متعددة سوف تتضاءل على نحو متزايد.

وحتى إذا زادت “إسرائيل” ميزانيتها الدفاعية ووسعت صناعاتها الدفاعية، فإن هذا لن يأتي إلا على حساب صناعتها المدنية واقتصادها الذي سوف يكافح من أجل خلق الاستقرار الاجتماعي والحفاظ عليه.

الافتراض الثالث يتعلق بانجراف الصين أو روسيا إلى هذه الحرب. إن هاتين القوتين العظميين لا تحبان ما تراه يحدث في غزة. وكلتا القوتين تنتقدان بشدة ما يحدث هناك.

وفي العلاقات الدولية، تتفاعل القوى العظمى تحت أفكار المنافسة أو المشاركة أو الاحتواء. ومن المؤسف أن الولايات المتحدة، باعتبارها قوة مهيمنة عالمية، تنفذ سياسة الاحتواء ضد القوتين العظميين.

وهذا يعني أن روسيا والصين ستكونان سعيدتين أيضاً برؤية الولايات المتحدة متورطة في الصراع في الشرق الأوسط لأن هذا من شأنه أن يمنحهما النفوذ المطلوب والفضاء الاستراتيجي لتحقيق غاياتهما الجيوسياسية في المناطق فيما يتصل بالتحديات التي تواجهها في مجال نفوذهما.

إن إنهاء الحرب في غزة، ومنع تصاعد المقاومة في الضفة الغربية، والتعامل مع تهديد حزب الله في لبنان، والتعامل مع تهديد الحوثيين في اليمن، كلها تحديات تواجه “إسرائيل” في هذه الحرب المتعددة الجبهات. هل هناك نهاية لهذه اللعبة؟ لا أحد يستطيع أن يتصور أي نهاية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى